أكاذيب صغيرة
هيثم الزبيدي
لا أعرف هل تحمّست ريا الحسن للخبر أم هي من حثّ رويترز على نشر التكذيب. لكن كذبة صغيرة على وسيلة اجتماعية يمكن أن تهز وزيرة داخلية ووكالة أنباء عالمية، وربما دول.
وسائل التواصل الاجتماعي تستفز رويترز للرد والتكذيب
سأسجّل تاريخ 26 نوفمبر الماضي في مفكرتي. وزعت وكالة أنباء رويترز العالمية في خدمتها العربية تكذيبا لما نسب إليها من خبر “عن التوصل إلى اتفاق بتسمية وزيرة الداخلية في حكومة تصريف الأعمال ريا الحسن لرئاسة الحكومة اللبنانية الجديدة”. الخبر لم ينشر في وسيلة إعلام رسمية بل انتشر على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي النشرة كتبت رويترز مرتين في الإشارة إلى التكذيب. مرة “لبنان-أخبار زائفة” ومرة “أخبار كاذبة منسوبة لرويترز” في خبر بثّ مرتين أيضا للتأكد من وصول التكذيب إلى أوسع عدد من المشتركين وفي جملة واحدة من 58 كلمة.
وكالات الأنباء العالمية تتراجع في بعض الأحيان عن أخبار بثّتها. حدث هذا مع رويترز وغيرها. تثق بمراسلها أو مصادرها، ثم تكتشف خطأ أو تضليلا، فتتراجع. في مرة تراجعت رويترز عن صورة وزّعتها بعد أن ثبت أن مصورها تلاعب بالصورة. لكن اعتقد أنها المرة الأولى التي يمكن لأخبار تروج عبر وسائل التواصل الاجتماعي أن تستفز وكالة عالمية بحجم رويترز للرد والتكذيب. الناس صارت تصدّق ما يتم توزيعه على تويتر وفيسبوك وإنستغرام. وإذا أضيفت كلمة رويترز إلى الأخبار عبر هذه الوسائل، تصبح الكذبة حقيقة. الأخبار الكاذبة أو الزائفة أو المفبركة -اختر التسمية المناسبة لراحة نفسك- هي “حقيقة” صار علينا التأقلم مع وجودها والحذر منها.
الإجراءات التي تتخذها منصات الوسائل الاجتماعية، وخصوصا تلك التي تعتمد على رصد الأكاذيب عبر برامج الذكاء الاصطناعي، مهمة. تطوّر هذه المنصات خوارزميات للرصد والإلغاء. ولكنها ستبقى عرضة لمثل هذه “الانتهاكات”، ويكون الخبر قد حقق أغراضه قبل أن تتحرك المنصات لحذفه أو تكذيبه. هناك أمثلة كثيرة لمثل هذا الحذف، لكن أمثلة عدم الحذف أو التأخر في الحذف أكثر وأخطر. ومما يزيد من الخطورة هو الحماسة التي يبديها المشتركون في الوسائل الاجتماعية لتناقل الخبر وتوزيعه عبر منصات مختلفة، مما يعقد المهمة أكثر وأكثر. وإذا كانت أخبار مثل تلك التي روجت خلال انتخابات الرئاسة الأميركية الماضية والتي ينسب لها إيصال دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، أو تلك التي ستخرج بريطانيا من أوروبا، إذا كانت هذه الأخبار كبيرة ومهمة وحاسمة في دول مفصلية، فماذا عن أخبار صغيرة ومتفرقة وغير مهمة لدول أقل أهمية أو أفراد أو مؤسسات صغيرة؟ ستمرّ من تحت رادار الرصد للذكاء الاصطناعي وتتقادم لتصبح حقيقة مهما كانت مفبركة.
لا أعرف هل تحمّست ريا الحسن للخبر أم هي من حثّ رويترز على نشر التكذيب. لكن كذبة صغيرة على وسيلة اجتماعية يمكن أن تهز وزيرة داخلية ووكالة أنباء عالمية، وربما دول.
كاتب من العراق مقيم في لندن