أرامل الهول الداعشي

بقلم مرح البقاعي كانون1/ديسمبر 18, 2019 785

أرامل الهول الداعشي
مرح البقاعي
القنابل الموقوتة في مخيم الهول قادرة أن توزع البؤس والموت والدمار على الأبرياء في العالم في غياب ضوابط لإمكانية انتقال الإرهابيين، سواء بأفكارهم أو أجسادهم.
مخيم الهول حاضنة لعودة داعش
لمحاربة توحّش داعش غير المسبوق في العصور الحديثة اجتمعت في شهر سبتمبر من العام 2014 إحدى وثمانين دولة بهدف تشكيل تحالف لمحاربة التنظيم الإرهابي بقيادة الولايات المتحدة. وإثر خمس سنوات من حروب متنقلة على معاقله التي سيطر عليها بالسكين والنار في العراق وسوريا، تمكن التحالف الدولي مجتمعا، وبمؤازرة مشهودة لشركائه على الأرض في الموصل وشرق الفرات، من إعلان القضاء الكامل على  تنظيم داعش وتقويض مشروعه الجهنمي. توّج هذا الإعلان بقطع رأس الأفعى وتصفية زعيم التنظيم، أبوبكر البغدادي، وذلك في غارة نوعية شنّتها قوات النخبة الأميركية على معقله الأخير في ريف إدلب.
اليوم، وإثر تهاوي أركان دولة البغدادي الشوهاء، فإن الخطر العقائدي الموروث من تركة أعضاء التنظيم لا يزال كامنا تحت الرماد، متأهبا خلف أسوار “مخيم الهول” الذي تعتقل فيه 10 آلاف امرأة ممن يطلق عليهن إعلاميا اسم “عرائس داعش” من أرامل الإرهاب -وبعضهن قد قاتلن إلى جانب أزواجهن أيضا- وقد حملن معهن إلى المخيم أطفالهن من زواج “نكاح الجهاد”، وهي البدعة الخادعة التي نشرها الداعشيون عبر مواقع التواصل لاستقطاب نساء من أطراف الأرض واستدراجهن إلى سوريا والعراق عن طريق مهربين عبر الحدود الشمالية  للعراق وسوريا، وذلك بهدف تجنيدهن والزواج منهم وإنجاب جيل جديد يرث كل مظاهر العنف والتطرّف والدمار البشري التي خلفها “جهاد” أمهاتهم وآبائهم.
فالأخبار والأفلام التسجيلية التي صورتها وكالات أنباء غربية ودولية عن طبيعة الحياة داخل المخيم تشي ببواكير قنبلة داعشية قابلة للانفجار في كل مكان وفي أيّ زمان، لاسيما وأن بعض المعتقلات قد اختفين فعلاً من المخيم ولم يعرف لهن طريق، والمرجّح هروبهن خارج الحدود عن طريق التجارة السوداء التي تنشط في مثل هكذا ظروف. وتروي القصص الموثّقة التي تدور أحداثها في المخيم أن عرائس داعش المتشددات تمكنّ من السيطرة على نساء المخيم الأقل تشددا، بل قد شكلن محكمة شرعية أسوة بتلك التي كان يحتكم لها أزواجهن وتدعى “الحسبة”، ونفذوا أحكامهن بالإعدام على كل امرأة لا تخضع لأوامرهن الناجزة
وبالرغم من أن أرامل مخيم الهول متعددات الجنسيات، إلا أن دولهن ترفض عودتهن إلى بلادهن التي يحملن جنسيتها، وبعض الدول مثل الولايات المتحدة كانت قد أسقطت الجنسية الأميركية عن أرملة قائد داعشي قتل في حصار الباغوز.
في هذه الأجواء من العنف والعنف المضاد، وفي غلواء حرائق تشعلها مشاعر من الحقد والغضب والنزعة إلى الانتقام من المجتمع المحيط والعالم، ينشأ جيل كامل من الأطفال الذين يحملون ما يقارب 50 جنسية عالمية، وهم محاصرون بأفكار متطرفة، يتشبعون بها، ترفض دول الأصل استقبالهم في مشروع تداولته بعض دول التحالف لاستعادة الأطفال من المخيم بهدف إعادة تأهيلهم وإنقاذهم من البيئة المنكوبة التي يعيشون فيها والتي ستحوّلهم إلى قنابل بشرية موقوتة في المستقبل القريب.
إثر الانسحاب الأميركي من سوريا وإشغال الفراغ الذي خلفته القوى الأميركية المنسحبة من قبل جيوش تركية وروسية ونظامية سورية، وكذا تراجع الإمكانات اللوجستية والأمنية التي كانت متوفرة خلال التواجد الأميركي على الأرض لقوات سوريا الديمقراطية التي تقوم على حراسة المخيم، فإن فوضى عارمة وضبابية مقلقة تشوب أجواء مخيم الهول الذي يضم ما مجموعه 70 ألف معتقل من الدواعش وعائلاتهم وأبنائهم، ولاسيما في أجواء من غياب الضوابط الأمنية التي تشكّل البيئة المثالية لحركة المهربين والمتّجرين بالبشر لتهريب من يملك الثمن خارج المخيم.
هنا مكمن الخطر الحقيقي ما بعد داعش؛ فإذا كان مقتل البغدادي قد شكّل ضربة قاسمة للتنظيم الهرمي الذي يقوم على طاعة وقيادة الزعيم وحسب ويهوي برحيله، فإن العقيدة الراسخة التي زرعها  مقاتلو التنظيم في نفوس وعقول من عاش معهم وعاشرهم وكوّن عائلات متنقلة بين بؤر الحروب والدمار وأشلاء الأجساد المقتولة بدم بارد، هي الخطر الأعظم  الذي يهدد العالم ما بعد داعش، والذي يبدي التحالف الدولي عجزا غير مبرر في مواجهته.
وما عملية الطعن الأخيرة على جسر لندن الواقع فوق نهر التايمز في العاصمة البريطانية، إلا تأكيد على استشراء تلك العقيدة بين “الذئاب المنفردة” من المتأثرين عن بعد بمنشورات التنظيم على حسابات التواصل الاجتماعي والبث الحي  لعملياته المرعبة عبر الإنترنت التي من المستغرب عدم اتخاذ قرار حاسم حتى الآن بحظرها من الشركات الكبرى المالكة لتلك الوسائل من فيسبوك وغوغل وتويتر وغيرها.
فصل المقال إن تحركا دوليا غير قابل للتأجيل أو المماطلة هو من الضرورة بمكان من أجل وضع الحلول لاحتواء المشكلة المتراكمة في معتقل الهول الأقرب إلى الكارثية. فلا يكفي الولايات المتحدة إعلان انتصارها على التنظيم، بقدر ما تبدي قدرا موازيا من المسؤولية لوضع نهاية لهذا الملف عن طريق دعم محاكمات للمعتقلين المتورطين بأعمال حربية وتأمين العقاب العادل والسجون ذات المعايير المتعارف عليها لتنفيذ الأحكام القضائية على من تثبت عليهم أعمال الإرهاب.
أما النساء اللواتي لم يتورطن بالقتل أو القتال فعلى دول التحالف أن ترعى مشروعاً عاجلاً  لنقلهن وأطفالهن إلى مراكز لإعادة التأهيل في بلدانهن الأصلية، أو في حال تعذرت عودتهن، فتأمين الموارد المالية والأمنية اللازمة لإبقائهن في مكان تواجدهن الآن في سوريا لكن في ظروف مختلفة أمنياً وإنسانياً صالحة للعيش ما يمكنهن من الخروج من عالم الظلمات إلى النور.
القنابل الموقوتة في مخيم الهول قادرة أن توزع البؤس والموت والدمار على الأبرياء في العالم في غياب ضوابط لإمكانية انتقال الإرهابيين، سواء بأفكارهم أو أجسادهم، وهي مسؤولية أخلاقية تقع على عاتق من قاد حروبا لإنهاء التنظيم ولم يكترث لإطفاء نيران تلك الحروب المستعرة بصمت تحت الرماد.
كاتبة سورية أميركية

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه