أبناؤنا ليسوا ملائكة

بقلم رابعة الختام كانون1/ديسمبر 30, 2019 787

 

أبناؤنا ليسوا ملائكة
رابعة الختام
الخوف على أبنائنا بات شبحا ينغص حياتنا، ونعيب زماننا والعيب فينا. لا تنكروا عليهم شغفهم بالتكنولوجيا وأهمية إتقانها وساعدوهم على الاستفادة منها.
عالم شديد التشابك والتعقيد يشكل خطرا على الأطفال
شغل مقطع مصور لأميركية تطلق النار على هواتف أبنائها مواقع التواصل الاجتماعي، وهي تردد: أريد استعادتهم من وحش التكنولوجيا المدمر.
وتبادل رواد مواقع التواصل الاجتماعي ذات المقطع تدليلا على ضرورة التخلص من وحش التكنولوجيا -على حد تعبير الأم- إذ يرونه سارقا للوقت والعمر، مدمرا للعلاقات الاجتماعية وضاربا بصلة الأرحام عرض الحائط.
صيحة “حطموا الهواتف” انطلقت بسرعة البرق، ما هي برأيي سوى “استجابة سريعة وردة فعل غاضبة على سلوك الأبناء العابث مع من حولهم”.
بصوت مشحون بغضب رافض قالت بإنجليزيتها الواثقة “سأطلق النار على هواتفكم، أنا هنا لأشجب وأستنكر تأثير مواقع التواصل الاجتماعي السيء على أبنائي، وأهمها عصيان الأوامر وقلة الاحترام”.
هذا رائع، رائع للغاية، في مشهد صادم والجميع مشدوهين من تصرف الأم، تردد على مسامع أولادها، “هذا رائع” مرارا.
كان الابن يحضر القطع المتهشمة قائلا “هذا ما تبقى من الشاشة”، وهي تردد “كلمات أبنائي بالنسبة لي أكثر أهمية من أي جهاز إلكتروني، وأرفض أن يكون لهذه الأجهزة تأثير سلبي عليهم، لا أريد لهم التواصل مع غرباء لا يعرفونهم، أو التورط بمشكلات لا دخل لهم بها، كما يقعون في المشاكل في مدارسهم بسبب إحضارهم هواتفهم”.
أخرجت طاقة غضب هائلة ربما كانت هذه الطاقة موجهة لأبنائها بالأساس، لكننا دائما كأباء وأمهات من الصعب علينا الاعتراف بخطأ أبنائنا، غالبا ما نعلق الخطأ على الآخر، أيا ما كان هذا الآخر، فآخر اهتمام تلك المرأة هو هواتف أبنائها، وانشغالهم الدائم بمواقع التواصل الاجتماعي، والتفاعل المتواصل المحموم مع الغرباء والأصدقاء، وإهمالها، وعصيان أوامرها.
عقدت مقارنة سريعة بين الأم الغاضبة من التكنولوجيا وجارتي التي لم تحظ بفرصة حقيقية للتعليم ولا تعرف كيف تستعمل هاتفا، ولكن رجاحة عقلها كانت تفوق الخيال عندما علمت بالصدفة بوقوع ابنتها المراهقة في شباك شاب منفلت السلوك. لم تلمها أو توبّخها أو تعنفها ولكن غمرت ابنتها بالحنان والاهتمام، استدعت صديقاتها لتشاركهن الهوايات والحوارات، وقسمت الأدوار على أفراد أسرتها ليملأوا فراغ ابنتها ويجذبوها إلى أحلام وطموحات الأسرة.
لم تنكر الأم البسيطة على ابنتها المشاعر المرهفة ولم تنتظر منها نضجا، أو تستنكر حبها، ولكنها أدركت التقصير في دورها، وعملت على تشييد حصن يحميها من فتن ومطامع الأغراب بتوجيه مشاعرها المرهفة إلى ما ينفعها ويعينها على تحقيق الأمان والاستقرر في حياتها.
مربط الفرس أن الأبناء دائما بنظر الآباء مسروقون من قبل عنصر بشري أو غير ذلك، أما هم فملائكة لا يخطئون، ولا ذنب لهم، نحن لا نلقي عليهم بلوم.
يبدو أن جميعنا يحتاج أحيانا لوقفة تشبه وقفة تلك الأم الأميركية، لا أنادي بتحطيم الهواتف بالطبع، فكما لها أضرار بالتأكيد لها منافع عديدة، وبات تواصلنا عن طريقها واقعا لا مفر منه، وإلا تحولنا إلى أهل الكهف، وانسلخنا عن عالمنا وواقعنا بسهولة وعدنا إلى عصور الجهل التكنولوجي.
نحن نعيش في عالم شديد التشابك والتعقيد، على كل المستويات تلاحقنا المخاطر، وبالقطع تلاحق الصغار قليلي الخبرات والتجارب بصورة مرعبة، تحتاج للتمهل وإعادة النظر في كل ما حولنا أو بالأحرى حولهم.
جميعنا بحاجة إلى وقفة مع حقيقة ما نقدمه لأبنائنا بعد أن استسلمنا لبعدهم عن عالمهم الواقعي، وكل ما يسرقهم من حياتهم الطبيعية ويقذف بهم إلى عالم بعيد، خاصة العالم الافتراضي الذي يجلب العديد من المشكلات للأبناء خاصة في سنهم الصغيرة، وسنوات المراهقة والشباب، ومحاولة استغلالهم بطريقة ما.
الخوف على أبنائنا بات شبحا ينغص حياتنا، ونعيب زماننا والعيب فينا. لا تنكروا عليهم شغفهم بالتكنولوجيا وأهمية إتقانها وساعدوهم على الاستفادة منها وتوجيهها إلى ما ينفعهم.
كاتبة من مصر

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه