أفريقيا حين لا تقبض على الفرصة

بقلم إدريس الكنبوري آب/أغسطس 27, 2016 942

أفريقيا حين لا تقبض على الفرصة
إدريس الكنبوري
تؤشر جولة وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، في القارة الأفريقية، على الاهتمام المتزايد الذي أخذت تحتله هذه الأخيرة في سلم أولويات الإدارة الأميركية في إستراتيجية مكافحة الإرهاب والجماعات المسلحة. ففي حين بدأ تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا يتراجع تحت وقع الضربات التي يتلقاها من التحالف الدولي والجماعات الكردية المقاتلة في البلدين، وفقد معقله الرئيس في سرت الليبية، فإن منطقة الساحل الأفريقي وغرب أفريقيا سيصبحان من الآن فصاعدا منبع المخاطر المحتملة خلال الفترة المقبلة.
تعيش القارة السمراء معضلات عدة تعيق نموها الطبيعي، وتحول دون معانقة الثقافة الديمقراطية في عصر باتت فيه الحرية وشروط الاقتصاد الناجح قيما ملتصقة ببعضها البعض؛ فالصراعات حول السلطة والحكم، والخلافات البينية، وإشكاليات الحدود، والنزاعات الطائفية والعرقية والمذهبية لا تزال تنخر كيان العديد من بلدان القارة، وهي وإن كانت موروثة عن الحقبة الاستعمارية إلا أن سوء تدبير الأنظمة لها خلال مرحلة الاستقلال حال دون حلها، بل إن تلك المشكلات زادت تفاقما خلال هذه المرحلة بالنظر إلى التوظيف السياسي لها في الصراعات حول الحكم.
ومع بداية الألفية الجديدة، وبينما المشكلات التي يمكن نعتها بالكلاسيكية لم تجد طريقها إلى الحل، طرأت تحولات إقليمية جديدة وضعت بلدان القارة في مواجهة مع مشكلات من نوع مختلف، هي تلك المرتبطة بالتهديدات التي تمثلها الجماعات المتطرفة والتنظيمات المسلحة. وقد وجدت هذه التنظيمات في تلك المشكلات القديمة وقودا يغذي خطابها المتشدد، وقامت، بدورها، بإعادة استثمارها لتحقيق أهدافها. فالفقر والتخلف يُستغلان من طرف هذه الجماعات لتجنيد أتباعها من الشباب اليائس، والمشكلات الحدودية توفر لها إمكانية التحرك، والنزاعات الطائفية والعرقية والمذهبية أداة بيدها لدق إسفين في ما تبقى من الوحدة الاجتماعية للشعوب الأفريقية، وهكذا فإن كل واحدة من تلك المشكلات هي، في الحقيقة، ورقة بأيدي الجماعات المتطرفة تقوم بتوظيفها لفائدتها.
لقد أصبحت التحديات الإرهابية في أفريقيا معقدة إلى درجة أنه لم يعد من الممكن مواجهتها من لدن بلد واحد وبأسلوب واحد، وما يزيد في تعقيد مهمة مواجهة الإرهاب وجود مساحات شاسعة من الصحارى والجبال الوعرة في الصحراء الكبرى تكاد تناهز مساحتها ثمانية ملايين كيلومتر مربع، تمر في شكل حزام على بلدان الساحل، وهي منطقة غير خاضعة للمراقبة وتوفر ملاذا آمنا للجماعات المسلحة التي تتخذ منها شبه قواعد عسكرية ثابتة تنسق من خلالها عملياتها الإرهابية ضد البلدان المحيطة، وتشكل في نفس الوقت ملتقى ومعبرا لمختلف أنواع الجريمة المنظمة بين البلدان الأفريقية، كتجارة الأسلحة والمخدرات والسجائر وتهريب البشر، وهذا ما يجعل أي معركة ضد الجماعات الإرهابية تمر لزوما عبر محاربة الجريمة المنظمة، لأن هناك تقاطعا بين الاثنين، ولأن الجريمة المنظمة تشكل مصدرا للدخل والتمويل للجماعات الإرهابية.
ورغم كثرة وصعوبة هذه التحديات إلا أن الاتحاد الأفريقي لا يزال عاجزا حتى الآن عن التصدي لها بشكل جماعي، نتيجة الخلافات بين البلدان الأعضاء وتراكم المشكلات الحدودية وغياب الديمقراطية السياسية التي يمكن أن تجعل الشعوب جزءا من الحرب ضد الإرهاب، لأن افتقاد الشرعية يجعل المعركة ضد الإرهاب معركة عسكرية فقط تخوضها الأنظمة بمفردها بمعزل عن الشعوب، وهذا أكبر خطر يساعد على نمو الإرهاب.
وعلى سبيل المثال وضعت منظمة الأمم المتحدة قبل بضع سنوات برنامجا لفائدة بلدان الساحل الأفريقي بالشراكة مع منظمة الاتحاد الأفريقي للفترة ما بين 2013 و2017، يتضمن شقا يتعلق بمحاربة الإرهاب والتطرف والجريمة المنظمة، ويوصي بالتنسيق بين بلدان المنطقة وتبادل المعلومات والخبرات ومضاعفة الجهود في ما يتعلق بالتكوين والتدريب لتحقيق النتائج المتوخات من البرنامج، وبعد مرور ثلاث سنوات لا تزال نفس المعضلات قائمة، فيما شهدت الجماعات المسلحة نموا متزايدا طيلة هذه الأعوام.
لا تتاح للقارة الأفريقية فرص كثيرة لمساءلة موقعها الجيوسياسي ككتلة واحدة والعمل من أجل بلورة إستراتيجية تستند على التعاون والشراكة، بيد أن الإرهاب، الذي أصبح خطره يتجاوز البلد الواحد، يشكل اليوم إحدى الفرص الثمينة التي يتعين على بلدان القارة السمراء أن تقبض عليها من أجل الخروج من الدائرة المفرغة التي وضعتها فيها المشكلات الكلاسيكية.
كاتب مغربي



سراب/12

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه