في بيتنا مطلقة

بقلم رابعة الختام تشرين1/أكتوير 03, 2016 746

في بيتنا مطلقة
رابعة الختام
النساء دائما هن بطلات الحكي بلا منازع، سواء كن صاحبات المشكلة أو مسكونات بوجعها باحثات عن ألق وبريق يخفتان وراء الحزن والشجن، وفي حالة الفتيات المأزومات لا أجد غير الأمهات يطرقن باب الحكي برتابة، ناعيات حظ بناتهن العاثر، لكن أن يشكو "أب"، كبير في السن وذو مكانة اجتماعية ومهنية مرموقة حال ابنته فهذا ما استوقفني، وجعلني أنصت بشغف، ولكن فضولي الصحافي خانني عدة مرات وقطع صمتي بأسئلة كثيرة أحرجت الرجل وجعلته يكشف عن سر أخفاه عن الكثير، فهو للأسف “أصل المشكلة” على حدّ وصفه.
سكب الرجل الحكاية في أذنيّ دفقة واحدة محزنة، مخزية، عارية من كل الرتوشات التجميلية التي قد تضيفها المرأة "الحكاءة" أحيانا.
كنت شابا وسيما ومدللا، أحببت فتاة بسيطة من أسرة فقيرة ولكنها رائعة الجمال، لعب الصراع الطبقي وعقدة الغنى والفقر دورهما، وحرمانا الزواج، وبعد عدة أشهر تزوجت حبيبتي من رجل ثري يكبرها بخمسة وعشرين عاما، زيجة فاشلة لم تستمر أكثر من عدة أشهر تجرعت حبيبتي خلالها مرارة لو توزعت على العالم أجمع لفاضت عن حاجته، ثم طلقت، وحين عادت إلى بيت أبيها وطالبتني أختي الصغرى بالزواج منها، رفضت -كما رفضها أهلي- متعللا بالعادات والتقاليد، إذ كيف لي الزواج بمطلقة، أعترف بقسوتي على قلبي وقلب محبوبتي ولكنه الإرث الثقافي والشعبي لدينا نحن العرب، تزوجت غيرها وأنجبت ثلاث فتيات، ونسيت حبيبتي أو أسكنتها ركنا صغيرا مظلما في قلبي لا تبارحه إلا حين أراها صدفة تمر أمام منزلي.
تزوجت ابنتي الكبرى وهي على عتبات سن العشرين، وبالمقاييس الحسابية فالزيجة ستكون ناجحة بنسبة مئة بالمئة، ولكن القدر أبى إلا أن يذيقني من نفس كأسي التي أعددتها يوما لحبيبتي، فطلقت ابنتي سريعا لعدم خبرتها وعدم خبرة الشاب الذي ارتضيته لها، وأصبحت مطلقة في العشرين، يعزف عن خطبتها الشباب ولا يتقدم إليها سوى المطلقين والأرامل.
هكذا كافأني القدر الصفعة بمثلها، وأصبحت أدرك بعد فوات الأوان أن المطلقات لسن إلا بشر خذلتهن الحياة، ولا ذنب لهن أو جريرة إلا أن مجتمعاتهن العربية تلقي بكل اللوم على النساء دون الرجال، استأنف مطلق ابنتي حياته مرة أخرى بكل سهولة وتزوج من أخرى لم يسبق لها الزواج في حين توقفت حياة ابنتي تماما وهي الآن تعاني وحدة قاتلة. تجلس في ظلام غرفتها بالساعات، تبكي بلا صوت، تعجز عن البوح بمشاعرها حتى لا تكال لها الاتهامات المجتمعية الظالمة ولا تفترسها نظرات جائعة، عزفت عن استكمال دراستها الجامعية ومواصلة الحياة بشكل سوي على كافة المستويات، سكنها الوجع والألم وذبلت زهرتها، لم أشعر بألم محبوبتي إلا حين أحرقتني نار الحزن على ابنتي.
توقف بها وبهن القطار في المحطة الخطأ، ولم تعرف أيّ منهن أنها مجبرة على النزول حتما وعدم استكمال الرحلة لأن الذي يقود القطار رجل، والمسؤول عن الرحلة رجل ومجتمعاتنا العربية ذكورية بامتياز، لا ترى غير الرجال ولا تمنح تأشيرة الحياة مرات ومرات لغير الرجال، ما ذنب المطلقات إذا كان هذا المجتمع الذكوري لا يعترف بأخطاء الرجال ولا يلقي باللائمة دائما إلا على النساء، يخترع للرجل مبررات كثيرة وحججا حتى ينأى به عن الخطأ، وقد يكون هو المخطئ في الكثير من الأحيان، فهو من يحرك الحياة ويملك دفتها، لا أتحيز للنساء لمجرد انتمائي لجنسهن، ولكنني من خلال تجارب الحياة والاستماع للكثير من المشكلات العائلية أجد المرأة العربية أكثر حرصا على استمرار عجلة الحياة الزوجية وعدم توقفها، وأن الرجال أكثر جرأة وإقداما على اتخاذ قرار الطلاق.
دعوتي إلى الشباب الذكور، إعادة التفكير في الرفض المجتمعي للارتباط بامرأة مطلقة، خاصة إذا كانت تحمل مواصفات "مقبولة"، حتى لا نفتح بابا للخطيئة وتتوقف الحياة بالمطلقة.
كاتبة من مصر



باهر/12

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه