أصل الإرهاب في العراق (2)
إسماعيل الجنابي
ترى الغالبية العظمى من عامة الناس في العالم، أن سبب الحديث بإفراط عن ظهور تنظيم داعش في المنطقة العربية بشكل خاص، وانتقاله إلى مواطن عديدة من دول العالم بشكل عام، هو أنه أصبح ظاهرة علنية، بينما يرى آخرون أنه مجرد عصابة من المرتزقة يمكن القضاء عليهم بجهود عسكرية دولية، بغض النظر عن شرعية هذا التنظيم والمنظومة التي تتحكم به والكوادر العليا التي تؤمن به وتنفذ أجنداته التي تعتقد أن لها مشروعا متكاملا من حيث الأرض والعقيدة الفكرية والبنية الاقتصادية التي ترتكز عليها، إضافة إلى القاعدة التي تحتكم إليها.
لقد تمكن التنظيم خلال فترة زمنية استثنائية من إعلان ما يسمى « دولة الخلافة» على رقعة جغرافية تشهد اشتباكات عنيفة بين قوى قومية ودينية وطائفية، إقليمية ومحلية ودولية (العراق نموذجًا) حيث ساعدت الظروف الممنهجة تنظيم داعش على احتلال ثلثي مساحة العراق وتحديدًا في الجغرافية السنية، بعد أن هيأت له الإرادة الخارجية كل وسائلها القذرة؛ لكي يتمكن هذا الإرهاب من الولوج في هذه المناطق تحت ذريعة القتال العقائدي لنصرة "أبناء السنة"، وتم ذلك من خلال سياسة الحكم الواحد القاهرة التي اتخذتها حكومة المالكي عن طريق الظلم والقسوة والاستبداد، والتفرقة والتمييز بالاتفاق المسبوق والمدفوع الثمن مع بعض سياسيي السنة، ممن باعوا أنفسهم للشيطان بثمن بخس، والذين عرفوا فيما بعد بـ(سنة المالكي).
وفي ظل المظالم التي اقترفتها الحكومات التي تعاقبت على العراق بعد الاحتلال الأمريكي، وألحقت الأذى بجزء كبير من أبناء السنة، حظي تنظيم «الدولة الإسلامية» بتأييد، بل وإعجاب ملايين المسلمين من بقاع شتى، باعتباره تجسيدًا لحلم إعادة إحياء «الدولة الإسلامية» "العادلة". وقد أدت الإرادة والعزيمة والرسالة القوية للتنظيم إلى نقطة تحول ذي مغزى لشرائح لا يستهان بها من الشبان المسلمين. ورغم تحفظ بعضهم على أساليبها العنيفة الصادمة، إلا أنها استطاعت أن توفر أدوات أخرى غير عنيفة، تمكن الشباب من شن حرب جهادية من نوع خاص، لمحاربة أعدائها، حيث يمكن المتطوعون من المساهمة في عمل البرامج الإعلامية، أو في تقديم خدمة الرعاية الصحية، أو في العمل على تعليم وتأهيل جيل جديد من الشباب المنضوي تحت رايته، ولعل أبرز ما يميز التعليم في مدارس تنظيم «داعش»، يتمثل في مدى ما تحمله المناهج التعليمية من أفكار جهادية تكفيرية، تبرر للأجيال القادمة تصرفات «الدولة الإسلامية» التي تحكمهم.
لقد وفرت إيران للمالكي كل الإمكانات والأدوات التي يمكن من خلالها إيجاد الأرضية المناسبة لضرب أبناء السنة في مقتل، وقد تجلى ذلك في سياسة الإقصاء والاعتقال والمخبر السري و"4 إرهاب" وغيرها من الإجراءات القسرية التي وجدها التنظيم بيئة خصبة ينفذ من خلالها لتحقيق الغاية المرجوة منها، ومع أول غضب جماهيري محتقن في محافظة الأنبار ضد سياسة المالكي بدأت الغرف المظلمة المرتبطة بإيران وعملائها تحوك الخطط والمؤامرات لتأجيج هذا الغليان الشعبي السلمي الذي سرعان ما انتقل إلى أبناء المحافظات السنية الأخرى التي تحمل الهموم والمطالب والمشتركة ذاتها، والتي يمكن إيجاد وسيلة لحلها وتذليل مشاكلها لو توافرت الإرادة الصادقة لحكومة المالكي، وبدلًا من إيجاد وسيلة للتفاهم بدأ المتآمرون وشذاذ الآفاق في شحن هذه الجماهيرية بشعارات رنانة مغلفة بطابع يثير حفيظة الأطراف الأخرى في المجتمع العراقي خصوصا ثعالب السياسة، نتيجة الأبواق المدفوعة الأجر التي كانت تعتلي منصات ساحات الاعتصام والتي كانت تريد إثارة الفتن وتأجيجها باتجاه سلبي لا يخدم إلا الأطراف الخارجية التي كانت تغذي هذا الشحن بطريقة طائفية.
لقد دخلت على خط المواجهة لساحات الاعتصام في مدن الجغرافية السنية عدة أطراف إقليمية ودولية، تشترك بالهدف والغاية ذاتهما، وهذا ما زاد من حدة التوترات، بل إنهم أصبحوا شركاء في المشكلة وليسوا جزءا من الحل، لسبب بسيط هو أنهم يعلمون جيدا ما هو المقبل، وماذا سينتج عنه وأي تغيير سوف يطرأ عليه ولهذا أصبحت بعض عواصم هذه الدول مطابخ لقدور بعض السياسيين العراقيين وشيوخ الدولار...انتظرونا في الجزء المقبل؛ لكشف تطورات هذا المشهد.
سراب/12