يا أيّها الخبز رأفة بالملايين
علي الصراف
حزب الله هو أول من دفع بالأزمة لكي تتحول إلى مجزرة وهو أول من اختار للحال أن ينقلب إلى إرهاب يواجه إرهابا، وكان حسابه يقول له إن ذلك هو سبيل النجاة الوحيد.
خلف الجوع يوجد ولي فقيه
خلف الجوع في لبنان، يوجد ولي فقيه، يحارب الناس في خبزهم من أجل أن يحافظ حزبه على دولته غير الشرعية.
لا يهم، إن مات اللبنانيون. الكل يموت. ومعركة حزب الله الحقيقية هي أنه يتخذهم رهينة من أجل أن يحصل على المال. لسان حاله يقول للمؤسسات الدولية: أعطونا مالا، وإلا فإن الرهينة سوف تموت.
لا يخشى حزب الولي الفقيه شيئا، فدولته الخاصة ترتع بأعمال التهريب، وتجتبي مكوسا من المعابر الخاصة بها، وتقود تجارة مخدرات، تقدر قيمتها بالمليارات، حتى كان آخرها شحنة تبلغ 14 طنا تضم 84 مليون حبة كبتاغون، ألقت السلطات الإيطالية القبض عليها مؤخرا، وقيل، لا تعرف كيف، أن تنظيم داعش هو الذي أنتجها (بعد وفاة دولته بثلاث سنوات). وما كان الادعاء إلا غطاء لداعش آخر، هو حزب الله، الذي تُشكل تجارة المخدرات خبرته الأولى في “المقاومة والممانعة”.
ويَحسب الولي الفقيه أنه قادر على أن يستغبي الجميع. وهو الغبي الذي يترك دولة تغص بالموارد والإمكانيات، ليعيش على الهامش القذر، وليدافع عن وجوده بصعاليك، ويحول السياسة إلى عمل من أعمال المافيا، بأعمال القتل والاغتيالات والتفجيرات. ويظن أنه ذكي.
المهم، أن يعيش، بهذه الطريقة أو تلك، فإنه يجد سبيلا للبقاء ليقاوم ويمانع. ولا يهم إذا مات اللبنانيون من الجوع. الكل يموت.
بقي ألّا تسأل المجرم رأفة بضحاياه. بل اسأل الخبز رأفة بالملايين.
وخلف الجوع في سوريا، يوجد ولي فقيه، يَحُول دون وضع نهاية للأزمة هناك. ويحارب الناس في خبزهم، لأنه يريد أن يمانع ويقاوم السعي لحل سياسي يفتح صفحة جديدة في تاريخ البلاد.
فهو يرى أن كل حل سوف يلحق نفوذه هناك بالضرر. وكل تغيير في أوضاع هذا البلد سوف ينقلب وبالا عليه. وأي نظام سياسي جديد، سوف يعني الحاجة إلى بناء دولة قانون، بينما هو يريد لحارة “كل مين أيدو إلو” أن تستمر لكي تمرر جرائمه وترضى بالعيش على الهامش القذر نفسه من الحياة.
ولئن تضوّر عشرات الملايين جوعا، بين فكّي الضغوط والمصالح المتضاربة، وكثرة الفاعلين، فإنه هو الفاعل الأول. هو أول من دفع بالأزمة لكي تتحول إلى مجزرة. وهو أول من اختار للحال أن ينقلب إلى إرهاب يواجه إرهابا. وكان حسابه يقول له إن ذلك هو سبيل النجاة الوحيد. ولقد نجا بمعنى، قبل أن يكتشف أنه لم ينج بآخر. وظلت مطحنة الجوع تدور، حتى سحقت الأمل بالخلاص.
أراد أن يخرج من مأزق، فوقع بأسوأ منه. أفقر قدرته على الحياة، وأفقر الملايين معه، ودفعهم إلى حافة الموت قهرا وفقرا وجوعا. وبحسبه، فإن الكل يموت.
بقي ألّا تسأل المجرم رأفة بضحاياه، لأنه لن يرأف بأحد، ولا حتى بنفسه، بل اسأل الخبز رأفة بالملايين.
وخلف الجوع في إيران يوجد ولي فقيه، قرر أن يعيش على إرهاب شعبه، وقتلهم إذا اعترضوا عليه.
لم يعرف الإيرانيون على مر تاريخهم كله أكثر وحشية من الفقه الصفوي، الذي ورثه الخمينيون لكي يحاربوا به السلام وحسن الجوار والعيش الكريم. وهم يجوعون الآن كما لم يعرفوا الجوع من قبل. عُملتهم تنهار، حتى لم يعد بوسعها أن تستر الحاجة إلى الخبز. كما ينهار كل شيء من حولهم في الصحة والتعليم والخدمات العامة. إنما من أجل أن يظل الولي الفقيه قادرا على إنتاج الصواريخ. ويحسب أنه ذكي.
اعتقد أن صواريخه قادرة على تغيير موازين القوى، من دون أن يرى أنها لا تكفي لكسب حرب، وأنها حتى وإن كانت أداة دمار موضعي، فإنها لا تغني عن دماره الشامل هو الذي يصيب بنية وجوده على كل وجه. ويظل ينافق بالشعارات، نفاقه بالدين، حتى ضاق الناس ذرعا بشعاراته ودينه اللّادين. سوى أنه يجرؤ على كل شيء. فبعد قليل من قتله 1200 متظاهر، كانت دماؤهم لم تجف بعد، جمع حشدا من صعاليكه ليستذكر مقتل بضع عشرات على يد النظام السابق. ومثل هذا يفعل أتباعه في العراق، حتى حولوا البلاد إلى مستنقع للاغتيالات والفساد والتجويع.
ولم يكن لأحد أن يحسب أن رجال العالم السفلي الذي تحدثت عنه الأساطير هم هؤلاء من تجار الدين والمخدرات والسلاح والمقاومة، الذين خرجوا من مجارير الهامش، كما تخرج الصراصير، فعملوا على تهميش كل شيء، ليكون القذر والرديء هو الخيار الوحيد، في السياسة والثقافة والسلطة وتصدير الثورة وفرض النفوذ.
نظرتهم واحدة، في القتل وفي نشر البؤس وفي الفقه: فلكي يعود “مهديهم المنتظر”، فإن الأرض يجب أن تمتلئ ظلما وجورا. سوى أنهم هم الذين يظلمون، وهم الذين يجورون على حق الناس في العيش الكريم. حتى بلغوا رغيف الخبز البسيط.
فيا أيها الخبز العزيز، لقد جاروا علينا، حتى لم يعد للجور متسعٌ للمزيد. فارأف بنا، إنهم لا يرأفون.
كاتب عراقي