حسين علي
عالم السياسة زاخر بالمناورات والتكتيكات على مستوى السياسة الدولية فالذكاء هنا يفرض نفسه و وجوده على عرابي ومفكري السياسة.
الدول المتقدمة قادرة على ممارسة عولمة السياسة سواء في بعدها الاستراتيجي أو التكتيكي حيث تستطيع التمييز بين السياسة الإستراتيجية والتكتيكية.
لذلك تستطيع الدول المتقدمة الحصول على النتائج التي تصب بصالحها نتيجة جهودها المبذولة والمدروسة بإحكام وفق تحليلات منطقية ودراسة مستفيضة.
الرؤية الإستراتيجية الواضحة والصريحة والتفكير العميق وكذلك الحسابات الدقيقة وحتى التاريخ السياسي أجزاء رئيسية في المناورة والتكتيك السياسي.
المناورة السياسية اليوم عامل مهم في السياسة الدولية ويفرض نفسه بقوة على الساحة العالمية والصراعات السياسية الدولية.
إن آيا صوفيا هو بيت ديني تاريخي يقع على الضفة الأوروبية في مدينة إسطنبول وقد كانت كاتدرائية بطريركية مسيحية أرثوذكسية والتي بنيت في عام(537م) ابان عهد الإمبراطور الروماني جستنيان الأول حيث كانت تعتبر في ذلك الوقت أكبر مبنى في العالم.
بقيت آيا صوفيا كنسية إلى أواخر مايو/أيار عام (1453م)
عندما دخلت إلى مدينة القسطنطينية جحافل جيش الإمبراطورية العثمانية بقيادة السلطان محمد الفاتح فَحُوِلتْ الكنيسة إلى مسجد بأمر من السلطان محمد الفاتح حيث أُقيمت أول صلاة جمعة بعد دخوله المدينة وكان ذلك في يونيو/حزيران من العام نفسه.
يزعم البعض أن هناك وثائق تاريخية تؤكد أن السلطان محمد الفاتح أشترى الكنيسة من الرهبان المسيحيين قبل تحويلها إلى مسجد لكن المؤرخ العثماني أحمد بن يوسف القرماني ذكرَ في كتابه(أخبار الدول و آثار الأول في التاريخ) إن السلطان محمد الفاتح أمر بتحويل الكنيسة إلى مسجد وأنه لم يشتريها وذكر أن عملية تحويل الكنيسة إلى مسجد تمت في(3) أيام.
حيث أن كنيسة آيا صوفيا ظلت مسجداً حتى عام(1931م) إذ تم إغلاقها لمد أربع سنوات ثم أعيد إفتتاح الكنيسة عام(1935م) كمتحف بقرار من مصطفى كمال أتاتورك.
تسنم اردوغان في عام(2014) رئاسة الجمهورية التركية حيث كان يشغل سابقاً منصب رئيس الوزراء لكن السؤال الذي يطرح نفسه
لماذا اردوغان طوال تلك الفترة لم يتذكر أو يذكر قضية آيا صوفيا أمام الإعلام إلا في هذا الوقت بالتحديد ؟
إن سياسية اردوغان العرجاء على المستوى الدولي فيها تذبذبات وضبابية بعض الشيء كما إن تدخلاته في القضايا والشؤون الداخلية لبعض الدول العربية والإسلامية مما ولد سخط وشجب عربي وغربي نتيجة ممارساته السياسية الخاطئة وتدخله في سوريا والعراق وآخرها ليبيا بالإضافة إلى الداخل التركي حيث ظهر تذمر وسخط شعبي تركي ضد سياسته وجائحة كورونا وانهيار الليرة التركية بالإضافة إلى استقالة وزير الداخلية التركي إثر فرض حظر التجوال وإحتشاد الالف من السكان وتجمهرهم أمام المتاجر لشراء المؤن دون أخذ تدابير التباعد الإجتماعي بعين الإعتبار حيث قوبل بحملة نقد واسعة دفعت وزير الداخلية إلى الإستقالة.
ليس فقط ذلك حيث بدا أن هناك صراعاً بين صهر الرئيس اردوغان وزير المالية بيرات البيراق و وزير الداخلية سليمان صويلو إذ ينظر البعض أن سليمان صويلو منافس قوي لصهر الرئيس التركي.
كل ذلك ولدَ ضغط كبير على اردوغان ضغط خارجي من الدول العربية والغربية وضغط الداخل التركي والتذمر من سياسته التي أدت إلى ما عليه تركيا اليوم.
فاردوغان استطاع أن يحول تلك الضغوطات إلى شيء يصب في صالحه أمام الشعب التركي
وقد فعل ذلك بمناورة ذكية حيث أعلن في الإعلام عن تحويل آيا صوفيا إلى مسجد.
فبهذه المناورة الذكية والتكتيك المدروس بإحكام تعتبر متنفس سياسي لأردوغان بعدما حاصرته الضغوطات الدولية والداخلية نتيجة سياساته الخارجية المتعرجة وتدخلاته في الدول العربية والإسلامية وكذلك الضغوطات الداخلية التي مورست عليه وبالإضافة إلى ذلك إنه أراد بهذه الحركة أو المناورة تلميع صورته وتوجيه الإعلام الدولي والإعلام التركي أعلى أنه قائد و زعيم جديد للمسلمين حتى يكسب ود شعبه والعالم العربي والإسلامي.