آيا صوفيا.. لحظة اجتماعية

بقلم ربيع الحافظ تموز/يوليو 22, 2020 470

 

آيا صوفيا.. لحظة اجتماعية
ربيع الحافظ
إعادة‭ ‬آية‭ ‬صوفيا‭ ‬إلى‭ ‬مسجد‭ ‬أعادت‭ ‬تحريك‭ ‬ملفات‭ ‬مضى‭ ‬عليها‭ ‬قرون‭ ‬على‭ ‬صلة‭ ‬مباشرة‭ ‬بتكوين‭ ‬مجتمعاتنا‭ ‬وما‭ ‬تمر‭ ‬به‭ ‬اليوم‭ ‬من‭ ‬مخاضات‭ ‬متعددة‭. ‬كانت‭ ‬آيا‭ ‬صوفيا‭ ‬المعقل‭ ‬الأخير‭ ‬الذي‭ ‬اعتصم‭ ‬فيه‭ ‬أهل‭ ‬القسطنطينية‭ ‬وذروة‭ ‬المعركة‭ ‬بين‭ ‬امبراطوريتين‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬كانت‭ ‬ثقافة‭ ‬استئصال‭ ‬الغالب‭ ‬للمغلوب‭ ‬هي‭ ‬ثقافة‭ ‬العصر،‭ ‬وكان‭ ‬والسؤال‭ ‬الذي‭ ‬يسأله‭ ‬المعتصمون‭ (‬لمحمد‭ ‬الفاتح‭) ‬داخل‭ ‬أنفسهم‭: ‬ما‭ ‬أنت‭ ‬فاعل‭ ‬بنا؟‭ ‬وما‭ ‬من‭ ‬إجابة‭ ‬يجدونها‭ ‬غير‭ ‬الاستئصال‭. ‬كانت‭ ‬أقلام‭ ‬التاريخ‭ ‬متأهبة‭ ‬لتخليد‭ ‬الحدث‭ ‬الذي‭ ‬سيلي‭ ‬تلك‭ ‬اللحظة‭ ‬الحاسمة‭. ‬إعلان‭ ‬السلطان‭ ‬محمد‭ ‬الفاتح‭ ‬العفو‭ ‬العام‭ ‬وطمأنة‭ ‬المعتصمين‭ ‬على‭ ‬أرواحهم‭ ‬أعاد‭ ‬مشهد‭ ‬‮«‬إذهبوا‭ ‬أنتم‭ ‬الطلقاء‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬انعطافة‭ ‬في‭ ‬التاريخ‭ ‬في‭ ‬موضع‭ ‬آخر‭ ‬ولكن‭ ‬مع‭ ‬فوارق‭. ‬قرار‭ ‬الرسول‭ ‬ﷺ‭ ‬العفو‭ ‬عن‭ ‬أهل‭ ‬مكة‭ ‬خلا‭ ‬من‭ ‬عنصر‭ ‬المفاجأة‭ ‬فهو‭ ‬الأخ‭ ‬الكريم‭ ‬ابن‭ ‬الأخ‭ ‬الكريم‭ ‬كما‭ ‬قالت‭ ‬له‭ ‬قريش‭ ‬والصادق‭ ‬الأمين‭ ‬الذي‭ ‬عرفته،‭ ‬مع‭ ‬ذلك‭ ‬أزاح‭ ‬القرار‭ ‬عقبة‭ ‬نفسية‭ ‬وبعث‭ ‬برسالة‭ ‬طمأنينة‭ ‬إلى‭ ‬قبائل‭ ‬الجزيرة‭ ‬العربية‭ ‬التي‭ ‬دخلت‭ ‬على‭ ‬إثرها‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬أفواجاً‭. ‬طلقاء‭ ‬القسطنيطنية‭ (‬البيزنطينيون‭) ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬من‭ ‬عرق‭ ‬الذين‭ ‬تغلبوا‭ ‬عليهم‭ ‬لتنالهم‭ ‬شفقتهم‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬العفو‭ ‬العام‭ ‬مقابل‭ ‬دخولهم‭ ‬في‭ ‬الإسلام،‭ ‬ثم‭ ‬أن‭ ‬ميدان‭ ‬المعركة‭ ‬كان‭ ‬عند‭ ‬نقطة‭ ‬تماس‭ ‬القارات‭ ‬والتقاء‭ ‬الحضارات‭ ‬ولم‭ ‬يكن‭ ‬موضعا‭ ‬معزولا‭ ‬جغرافيا‭ (‬مكة‭ ‬المكرمة‭)‬،‭ ‬مجموعة‭ ‬عوامل‭ ‬جعلت‭ ‬من‭ ‬أخبار‭ ‬العفو‭ ‬العام‭ ‬المنبثقة‭ ‬من‭ ‬داخل‭ ‬آيا‭ ‬صوفيا‭ ‬رسالة‭ ‬اجتماعية‭ ‬بلغت‭ ‬أطراف‭ ‬المعمورة‭ ‬وجعلت‭ ‬من‭ ‬المكان‭ ‬حجر‭ ‬زاوية‭ ‬في‭ ‬نظام‭ ‬اجتماعي‭ ‬جديد‭ ‬ستكون‭ ‬فيه‭ ‬الدولة‭ (‬وليس‭ ‬حسن‭ ‬النوايا‭ ‬عند‭ ‬الأفراد‭) ‬ضامنة‭ ‬لحقوق‭ ‬أتباع‭ ‬الأديان‭ ‬الأخرى‭. ‬لم‭ ‬يدخل‭ ‬سكان‭ ‬القسطنيطينية‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ (‬بشكل‭ ‬عام‭) ‬لكنهم‭ ‬انتظموا‭ ‬في‭ ‬نظامه‭ ‬الاجتماعي‭ ‬أفواجاً‭.‬
نظام‭ ‬مجتمعي‭ ‬جديد
أفضى‭ ‬مشهد‭ ‬آيا‭ ‬صوفيا‭ ‬إلى‭ ‬فتح‭ ‬اجتماعي‭ ‬حينما‭ ‬قرر‭ ‬السلطان‭ ‬الفاتح‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬عاصمة‭ ‬مملكته‭ (‬استانبول‭) ‬مجتمعا‭ ‬تتعايش‭ ‬فيه‭ ‬الأديان‭ ‬والاعراق‭ ‬وتحتضن‭ ‬اقتصاداً‭ ‬تساهم‭ ‬فيه‭ ‬كفاءات‭ ‬الأمم‭ ‬أو‭ ‬ما‭ ‬يعرف‭ ‬اليوم‭ (‬cosmopolitan‭) ‬ووجه‭ ‬دعوات‭ ‬الى‭ ‬أهل‭ ‬الأرض‭ ‬لاسيما‭ ‬الفنانين‭ ‬والتجار‭ ‬والنحاتين‭ ‬والأدباء‭ ‬للقدوم‭ ‬والعيش‭ ‬والعمل‭ ‬في‭ ‬عاصمته‭ ‬وأعفى‭ ‬المهاجرين‭ ‬من‭ ‬الضرائب‭ ‬بشكل‭ ‬مؤقت‭ ‬ووفر‭ ‬السكن‭ ‬مجانياً‭ ‬فتسارعت‭ ‬الهجرة‭ ‬إلى‭ ‬المدينة‭ ‬التي‭ ‬اجتمعت‭ ‬فيها‭ ‬المساجد‭ ‬والكنائس‭ ‬والمعابد‭ ‬اليهودية‭ ‬والأعمال‭ ‬التجارية‭ ‬وتضاعف‭ ‬عدد‭ ‬سكان‭ ‬استانبول‭ ‬ستة‭ ‬مرات‭ ‬من‭ ‬50‭ ‬ألف‭ ‬عند‭ ‬الفتح‭ ‬إلى‭ ‬300‭ ‬ألف‭ ‬في‭ ‬غضون‭ ‬قرن‭. ‬كان‭ ‬مجتمع‭ ‬استانبول‭ ‬لوحة‭ ‬اجتماعية‭ ‬غير‭ ‬مألوفة‭ ‬في‭ ‬القرن‭ ‬الخامس‭ ‬عشر‭. ‬
رؤية‭ ‬جاهزة
كانت‭ ‬الرؤية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬لدمج‭ ‬مجتمعي‭ ‬امبراطوريتين‭ ‬جاهزة‭ ‬وغير‭ ‬مترددة‭ ‬ولم‭ ‬تتطلب‭ ‬نقاشات‭ ‬مطولة‭ ‬بين‭ ‬السلطان‭ ‬ومستشاريه‭ ‬فالرؤية‭ ‬مستحضرة‭ ‬من‭ ‬حضارة‭ ‬الإسلام‭ ‬ومستعارة‭ ‬من‭ ‬حواضره‭ ‬السابقة‭ ‬وآخرها‭ ‬الأندلس‭ ‬ولم‭ ‬تكن‭ ‬رؤية‭ ‬مزاجية‭. ‬يقول‭ ‬المستشرق‭ ‬البريطاني‭ ‬توماس‭ ‬آرنولد‭: ‬‮«‬لم‭ ‬تكد‭ ‬حاضرة‭ ‬الامبراطورية‭ ‬الشرقية‭ ‬القديمة‭ ‬تسقط‭ ‬في‭ ‬أيدي‭ ‬العثمانيين‭ ‬سنة‭ ‬1453م‭ ‬حتى‭ ‬توطدت‭ ‬العلاقات‭ ‬بين‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسلامية‭ ‬والكنيسة‭ ‬المسيحية‭ ‬بصفة‭ ‬قاطعة‭ ‬وعلى‭ ‬أساس‭ ‬ثابت‭ ‬ومن‭ ‬أولى‭ ‬الخطوات‭ ‬التي‭ ‬اتخذها‭ ‬محمد‭ ‬الثاني‭ (‬الفاتح‭) ‬بعد‭ ‬سقوط‭ ‬القسطنطينية‭ ‬وإعادة‭ ‬إقرار‭ ‬النظام‭ ‬فيها‭ ‬أن‭ ‬ضمن‭ ‬ولاء‭ ‬المسيحيين‭ ‬بأن‭ ‬أعلن‭ ‬نفسه‭ ‬حامي‭ ‬الكنيسة‭ ‬الإغريقية‭ ‬فحرم‭ ‬اضطهاد‭ ‬المسيحيين‭ ‬تحريما‭ ‬قاطعا‭ ‬ومنح‭ ‬البطريارك‭ ‬الجديد‭ ‬مرسوماً‭ ‬يضمن‭ ‬له‭ ‬ولاتباعه‭ ‬ولمرؤوسيه‭ ‬من‭ ‬الأساقفة‭ ‬حق‭ ‬التمتع‭ ‬بالامتيازات‭ ‬القديمة‭ ‬والموارد‭ ‬والهبات‭ ‬التي‭ ‬كانوا‭ ‬يتمتعون‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬العهد‭ ‬السابق”
بدا‭ ‬مجتمع‭ ‬استانبول‭ ‬كالتالي‭:‬
قسمت‭ ‬استانبول‭ ‬على ‬13‭ ‬قسماً‭ ‬رئيسياً‭ ‬يتكون‭ ‬كل‭ ‬منها‭ ‬من‭ ‬أحياء‭ ‬ثانوية‭ ‬يشكل‭ ‬الجامع‭ (‬أو‭ ‬الكنيسة‭ ‬أو‭ ‬الكنيس‭ ‬اليهودي‭) ‬مركزها‭ ‬ويمثل‭ ‬الحي‭ ‬كياناً‭ ‬للهوية‭ ‬المشتركة‭ ‬لساكنيه‭ ‬وله‭ ‬مبعوث‭ ‬خاص‭ ‬من‭ ‬قاضي‭ ‬إستانبول‭ ‬يدعى‭ ‬النائب،‭ ‬وللحي‭ ‬إمام‭ ‬هو‭ ‬مديره‭ ‬الإداري‭ ‬في‭ ‬حين‭ ‬يقوم‭ ‬القس‭ ‬أو‭ ‬الحاخام‭ ‬في‭ ‬الأحياء‭ ‬الأخرى‭ ‬بمهمة‭ ‬الاتصال‭ ‬مع‭ ‬السلطات‭ ‬الرسمية،‭ ‬وبالإضافة‭ ‬إلى‭ ‬مهمته‭ ‬في‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬التضامن‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والديني‭ ‬بين‭ ‬ساكنيه‭ ‬فإن‭ ‬الحي‭ ‬يشكل‭ ‬وحدة‭ ‬إدارية‭ ‬ذاتية‭ ‬توفر‭ ‬الخدمات‭ ‬المدنية‭ ‬ويتحمل‭ ‬ساكنوه‭ ‬مسؤولية‭ ‬مشتركة‭ ‬في‭ ‬أعمال‭ ‬الصيانة‭ ‬ونظافة‭ ‬طرقاته‭ ‬وجباية‭ ‬الضرائب‭ ‬ومراقبة‭ ‬الأمن‭ ‬والواجبات‭ ‬الأخرى‭ ‬نحو‭ ‬الدولة،‭ ‬وتتفن‭ ‬الأحياء‭ ‬بهندسة‭ ‬معمارية‭ ‬تبرز‭ ‬ثقافتها‭ ‬كمعبد‭ ‬اليهود‭ ‬الذي‭ ‬صمم‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬السفن‭ ‬العثمانية‭ ‬التي‭ ‬أنقذتهم‭ ‬مع‭ ‬المسلمين‭ ‬من‭ ‬الأندلس‭ ‬من‭ ‬إبادة‭ ‬المسيحيين‭ ‬لهم‭.‬
عصر‭ ‬الدولة‭ ‬والقوانين
مثل‭ ‬مشهد‭ ‬آيا‭ ‬صوفيا‭ ‬عودة‭ ‬النظام‭ ‬السياسي‭ ‬ـــ‭ ‬الاجتماعي‭ (‬المهاجر‭) ‬الذي‭ ‬نشأ‭ ‬في‭ ‬دمشق‭ ‬الأموية‭ ‬ثم‭ ‬بغداد‭ ‬العباسية‭ ‬ثم‭ ‬ابتعد‭ (‬عن‭ ‬الشرق‭) ‬إلى‭ ‬قرطبة‭ ‬الأندلسية،‭ ‬كما‭ ‬أنه‭ ‬مثل‭ ‬عودة‭ ‬العاصمة‭ ‬التي‭ ‬ترخي‭ ‬ظلالها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬والاقتصادية‭ ‬العسكرية‭ ‬والثقافية‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬حولها‭ ‬والتي‭ ‬خلا‭ ‬منها‭ ‬الشرق‭ ‬قروناً‭ ‬طويلة‭ ‬وغدا‭ ‬ساحة‭ ‬للغزو‭ ‬الخارجي‭ ‬ليأتي‭ ‬دور‭ ‬العاصمة‭ ‬على‭ ‬استانبول‭. ‬
عاد‭ ‬ذلك‭ ‬المجتمع‭ ‬لكنه‭ (‬هذه‭ ‬المرة‭) ‬بنظم‭ ‬إدارية‭ ‬تقتضيها‭ ‬التعددية‭ ‬الدينية‭ ‬والقومية‭ ‬المتزايدة‭ ‬في‭ ‬المجتمع‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬باحثين‭ ‬غربيين‭ ‬إلى‭ ‬اعتبار‭ ‬أن‭ ‬المواطنة‭ ‬بمفهومها‭ ‬الحديث‭ ‬هي‭ ‬بضاعة‭ ‬عثمانية‭ ‬وأنها‭ ‬كانت‭ ‬سبباً‭ ‬في‭ ‬امتداد‭ ‬فترة‭ ‬حكم‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ (‬80‭ ‬قومية‭ ‬ودين‭ ‬ومذهب‭) ‬ستة‭ ‬قرون‭ ‬وهي‭ ‬أطول‭ ‬امبراطوية‭.‬
طلقاء‭ ‬آيا‭ ‬صوفيا‭ ‬لم‭ ‬يكونوا‭ ‬محليين‭ ‬فقط‭ (‬الذين‭ ‬صدر‭ ‬فيهم‭ ‬قرار‭ ‬العفو‭) ‬وإنما‭ ‬تبعهم‭ ‬طلقاء‭ (‬طوعيون‭) ‬من‭ ‬أرجاء‭ ‬المعمورة‭ ‬وجدوا‭ ‬في‭ ‬عاصمة‭ ‬المملكة‭ ‬الجديدة‭ ‬كيانا‭ ‬مجتمعياً‭ ‬آمناً‭ ‬وواعدا،‭ ‬وثمة‭ ‬صنف‭ ‬ثالث‭ ‬من‭ ‬الطلقاء‭ ‬وهم‭ ‬الذين‭ ‬نقلوا‭ ‬نظامها‭ ‬الاجتماعي‭ ‬إلى‭ ‬بلدانهم‭ ‬كملك‭ ‬السويد‭ ‬تشارلز‭ ‬الثاني‭ ‬عشر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يعيش‭ ‬منفياً‭ ‬في‭ ‬استانبول‭ ‬في‭ ‬1790‭ ‬وأبهره‭ ‬نظام‭ ‬الرعاية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬فيها‭ ‬وقطع‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬عهداً‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬ينقله‭ ‬إلى‭ ‬بلاده‭ ‬إن‭ ‬استعاد‭ ‬عرشه‭ ‬وقد‭ ‬كان،‭ ‬ويقوم‭ ‬نظام‭ ‬الرعاية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬في‭ ‬السويد‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬نفس‭ ‬المبادئ،‭ ‬كما‭ ‬استفادت‭ ‬أوربا‭ ‬المعاصرة‭ ‬منظومة‭ ‬حقوق‭ ‬الأقليات‭ ‬في‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ (‬نظام‭ ‬مللي‭) ‬في‭ ‬إدارة‭ ‬أنظمة‭ ‬التعدية‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬تبنتها‭ ‬أوربا‭ ‬حديثاً‭. ‬النظام‭ ‬الاجتماعي‭ ‬والإداري‭ ‬الذي‭ ‬انبثق‭ ‬من‭ ‬آيا‭ ‬صوفيا‭ ‬قبل‭ ‬567‭ ‬عام‭ ‬واكب‭ ‬التمدد‭ ‬الإقليمي‭ ‬للدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬واصبح‭ ‬نظاما‭ ‬إقليميا‭ ‬حفظت‭ ‬به‭ ‬الحواضر‭ ‬العربية‭ ‬الموصل‭ ‬وحلب‭ ‬وبغداد‭ ‬ودمشق‭ ‬والقدس‭ ‬مجتمعاتها‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬القرون‭ ‬الخمسة‭ ‬من‭ ‬حكم‭ ‬الدولة‭ ‬العثمانية‭ ‬واستقر‭ ‬بعد‭ ‬سقوطها‭ ‬في‭ ‬مجتمعات‭ ‬الدول‭ ‬المعاصرة‭ ‬التي‭ ‬تشظت‭ ‬عنها‭. ‬كانت‭ ‬آيا‭ ‬صوفيا‭ ‬مشهدا‭ ‬لصفحة‭ ‬حضارية‭ ‬جديدة‭ ‬لحظة‭ ‬سكوت‭ ‬المدافع‭ ‬وبذلك‭ ‬فإن‭ ‬دلالة‭ ‬إعادتها‭ ‬إلى‭ ‬مسجد‭ ‬هي‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬حادثة‭ ‬استعادة‭ ‬مكان‭ ‬للعبادة‭ ‬وهو‭ ‬تخليد‭ ‬لوثبة‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الإنسانية‭ ‬أعادت‭ ‬توجيه‭ ‬النظام‭ ‬الاجتماعي‭ ‬للبشرية‭. ‬تركيا‭ ‬ومعها‭ ‬المجتمعات‭ ‬العربية‭ ‬بحاجة‭ ‬إلى‭ ‬تقديم‭ ‬دروس‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬الوثبة‭ ‬الحضارية‭ ‬إلى‭ ‬منطقتهم‭ ‬التي‭ ‬مزق‭ ‬مجتمعاتها‭ ‬وهدم‭ ‬حواضرها‭ ‬نظام‭ ‬معاكس‭ ‬للنظام‭ ‬الذي‭ ‬شيد‭ ‬استانبول‭ ‬هو‭ ‬نظام‭ ‬المليشيات،‭ ‬ومدعوة‭ ‬لإيضاح‭ ‬لماذا‭ ‬استطاعت‭ ‬تلك‭ ‬الحواضر‭ ‬طوال‭ ‬القرون‭ ‬الماضية‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬بنيتها‭ ‬الاجتماعية‭ ‬شديدة‭ ‬الشبه‭ ‬بالبنية‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التركية‭ ‬بينما‭ ‬تفقدها‭ ‬اليوم‭. ‬إحياء‭ ‬الالتحام‭ ‬الثقافي‭ ‬بين‭ ‬العرب‭ ‬والأتراك‭ ‬على‭ ‬الأسس‭ ‬الاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تلت‭ ‬فتح‭ ‬آيا‭ ‬صوفيا‭ ‬هو‭ ‬أفضل‭ ‬طريقة‭ ‬للاحتفال‭ ‬بعودتها‭ ‬إلى‭ ‬مسجد‭.‬

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه