أحب زوجة أبي

بقلم رابعة الختام تشرين1/أكتوير 10, 2016 764

أحب زوجة أبي
رابعة الختام
تعرضت زميلة ابني لظروف أسرية قاسية، يصعب تحملها على فتاة في مثل عمرها الغض، ظنتها نهاية الدنيا وأنها تقف وحيدة عارية من الأمان والحب والدفء والحنان، دخلت المشكلة كلها إلى داخل كيانها وأعماقها فتملكتها وأظلمت دنياها، كانت والدتها تمثل لها مفردات الحياة ترى بعينيها، وتطلعها على كافة أسرارها؛ لقد عاشت أحلام الطفولة وعامين كاملين من سنوات المراهقة في حضن أمها، وفجأة أصيبت الأم بمرض غريب نسبة الشفاء منه تكاد تكون منعدمة، ترفق القدر بالمرأة وماتت سريعا، ولكنها خلفت وراءها جرحا غائرا في قلب ابنتها المراهقة جعلها ترفض الحياة، انزوت في عتمة أحزانها طويلا وخاصمت الحياة بكل ما فيها ومن فيها، لم تتخيل يوما ما أن الحياة قد تعود إلى مسارها الطبيعي مرة أخرى.
ومرّ عام كامل والأب يهتم بعمله وابنته ويراعي شؤون حياته دون كلل، ولكن عجلة الحياة حتما ستدور ولا يمكنها التوقف على أحد أو من أجل أحد، فكر في بناء حياة جديدة والزواج مرة أخرى، أثار الأمر شجون الفتاة وحرك حزنها على أمها، حاربت الفكرة طويلا ولم تستسلم سريعا، ولكن تدخل الأهل وإلحاحهم جعلاها ترضخ للأمر بلا موافقة.
ظل الحاجز النفسي جدارا يرتفع بينهما شيئا فشيئا، كلما حاولت زوجة الأب تسلقه رفعته الفتاة وزادته ارتفاعا وسماكة، ولكن المرأة التي حرمت من نعمة الإنجاب وتسكنها الأمومة، لم تيأس من كسب ود الفتاة واحترامها، تقوم بواجبات الأم، تخدم، تترفق، تعطي بلا مقابل، كانت تصنع الكيك والكعك الساخن وتقدمه للفتاة فتصرخ في وجهها “لن تحصلي على حبي بالبعض من الطعام”.
ولكن بوصلة الأمور كلها تحولت حين مرضت الفتاة ولم تجد من يرعاها غير زوجة أبيها، لأول مرة تفتح قلبها لحب لم تره من قبل وتزيل عن عينيها عصابة كانت تضعها بإحكام، فتخفي عن عينيها الحب والحنان، إذ تصور لها زوجة أبيها شيطانا رجيما.
قرب سكن الفتاة من منزلي مع زمالتها لابني جعلاني في منزلة والدتها، تحكي لي بحب وتسمع مني، لكنها في شأن زوجة أبيها لم تكن تسمع لأحد ولا ترى غير الكراهية، في أمسية ببيتي قالت “كنت أرى دائما زوجة الأب هي ذلك المخلوق الأشرس ورابع أكثر مخلوقات الأرض خطرا وأذى بعد الحماة وأخت الزوج والحرباء”، قاطعت الفتاة التي لم تبلغ مرحلة الشباب بعد، إذ كيف لمثلها بلا تجربة تصف الأمر بهذا اليأس والكراهية والنفور، ولكنها اعترفت بأنها حقيقة لمستها من سلوكيات عائلة والدها التي تتعامل معه كممول فقط، وبعيدا عن هذا الكم من البغض والكراهية ووجود صوت واحد فقط يحمل الحب في حياتها هو صوت الأم الراحلة، حاولت إقناعها بأن زوجة الأب إنسانة مثل باقي البشر، قد تكون امرأة مثقفة، وناضجة لديها من الوعي والمشاعر والقدرة على الاحتواء، تستطيع أن تمنح أبناء زوجها الحب والسعادة وتغير حياتهم للأفضل، وتملأ فراغا خلفته وفاة الأم، وهذا بالضبط ما حاولت زوجة الأب فعله خاصة وأنها لم تتزوج برجل متزوج، ولم تهدم حياة قائمة ومستقرة وإنما دخلت عائلة بلا أم ولا زوجة، وحاولت كسب ود الجميع بهدوء وحب، ورغم وجاهة حديثي كما وصفته الفتاة إلا أن ما خبرته بالتجربة العملية كان له مفعول السحر واستطاع أن يجعلها تغير زاوية النظر الأحادية لترى بوضوح من كافة الزوايا وتحكم على الأمر بكل حيادية. وخرجت من عباءة الأحكام المعلبة والأفكار الجاهزة للاستهلاك. التجربة وحدها تركت أثرها على الفتاة دون الكلام، فقد أقامت المرأة كل ما تهدم من جسور الثقة والمحبة ورممت علاقتها بابنة زوجها التي أصبحت تردد بكل فخر “كسبت أما رائعة، أحب زوجة أبي”.
كاتبة من مصر



باهر/12

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه