الناس صارت تگرأ ولا تقرأ
كرم نعمة
اشتق صديق مفردة من القراءة أسماها “تكرأ” عندما استبدل القاف بالكاف الأعجمية غير الصريحة، في دلالة عن الوهن الذي أصاب القراء في الحياة المعاصرة، فالناس مازالت تقرأ لكنها في حقيقة الأمر ” تكرأ” ولا تقرأ!
الإحصائيات المتداولة تقول إن الناس في العصر الرقمي صارت تقرأ بمعدلات أعلى مما كان الحال عليه قبل شيوع الأجهزة اللوحية والهاتف الذكي، لكن هذه المعدلات لا تعادل في القيمة المعرفية وزيادة الوعي ما كان يقرأ قبل نصف قرن.
ببساطة نحن نقضي وقتا في القراءة على الأجهزة أكثر من الوقت الذي كنا نقضيه مع الكتاب، لكننا مشتتون ونقرأ من دون هضم للمعلومة المقروءة، نمر على الفقرات بعجالة ولا نبالي بالفكرة، تأخذنا اللهفة للانتقال إلى الصفحات الأخرى وكأننا لم نقرأ شيئا في الصفحات السابقة. مؤسسة الصندوق الوطني للفنون الأميركية عبرت عن خيبتها لأن نصف المراهقين اليوم لا يقرأون الكتب إلا إذا قدمت لهم.
ويمكن أن نصف الأخبار بالسارة عندما نتحدث عن تصاعد القراءة والكتابة، لكن هذه الأخبار تصبح سيئة عندما نعرف أن الغالبية العظمى لا يقرأون ولا يكتبون غير الرسائل النصية القصيرة المتبادلة عبر الموبايل. فرشيقو الأصابع وفق وصف الباحث نيال فيرغسون، هم الملايين من الشباب الذين يتبادلون رسالة “تافهة” عبر الموبايل لا تمت بصلة لطقوس الرسائل وحسها في الكتابة.
ويقول فيرغسون إن طقوس القراءة التي كانت “معشعشة” في عقول الصغار قبل شيوع الهواتف قد تلاشت تقريبا اليوم. اللغة المتشائمة التي يتحدث بها هذا الكاتب، لم تكن محض رؤى ومشاعر عامة، بل عرض قائمة بمجموعة من أشهر الكتب الموجودة على رفوف جامعة كولومبيا وكيف أن استعارتها قد انخفضت بنسبة مخيفة.
وقال إن من بين كتب الكوميديا اللإلهية لدانتي والملك لير لشكسبير ودون كيشوت لسرفانتس وفاوست لغوته والجريمة والعقاب لديستوفسكي والحرب والسلام لتولستوي، لم تتم الاستعارة إلا للكتاب الأخير ولعدد متواضع. مثل هذا الكلام يسعد شركات صناعة أجهزة القارئ الإلكتروني، وخصوصا بعد أن اعترفت رابطة الناشرين الأميركيين بتجاوز مبيعات الكتب الإلكترونية نظيراتها من الكتب الورقية المطبوعة منذ عام 2011.
إذا كانت دلالة القراءة كمفهوم، هي الضحية في كل ما يجري من أشكال التعامل مع الكتاب، فإن القارئ يبحث عما يريحه، سيكون للكتاب الورقي مكانه الذي لا يعلى على غروره في المنزل، لكن أن تصطحب مجلدا كالصخب والعنف لوليام فوكنر إلى المقهى لقراءته، فذلك خيار غير مرجح أمام خفة وسهولة حمل جهاز القارئ الإلكتروني الذي يضم المئات من الكتب في متنه، حتى لأشد المخلصين للقراءة التي ستبقى ضحية الفهم العميق بين الورقي والرقمي.
باهر/12