أكذوبة تفوّق العقل الغربي

بقلم حسن عاتي الطائي آب/أغسطس 22, 2020 459

أكذوبة تفوّق العقل الغربي
حسن عاتي الطائي
في بعض الأحيان نقرأ في الصحافة أو في بعض منصات التواصل الإجتماعي أو أثناء حوار يدور بين من يعتقدون بأنفسم أنهم مثقفين أو حتى بين الناس العاديين بأن العقل “الغربي” أرقى وأقوى وأفضل من العقل “العربي” وغيره من عقول الأجناس البشرية الأخرى ويضربون أمثلة كثيرة للتدليل والتأكيد على صحة ما يدعون..
وفي الحقيقة فإن من يقول بذلك ويؤمن به فإنه يردد عن قصد أو بون قصد مقولات وإدعاءات أطلقها المستشرقون ورسخها المؤرخون والكتاب الغربيون في عقول الشرقيين عامة والعرب منهم بوجه خاص وبالأخص خلال الفترة الإستعمارية الطويلة التي هيمن فيها الغرب الإستعماري على مقدرات الوطن العربي نهب أثناءها ثرواته وخيراته وعطل مصادر تقدمه وإزدهاره ومنع الإنسان العربي من مزاولة نشاطه الفكري والثقافي وسحق بقوة كل إمكاناته العقلية والروحية ناشرا الجهل والمرض والتخلف في كل مكان خدمة لمشروعه الإستعماري المعادي لنهضة الشعوب والأمم ..
وفي الحقيقة أيضا فإن تلك الأقاويل والمقولات الساذجة ليست أكثر من أكاذيب لا تستند الى حقائق قائمة على العلم الهدف منها مواصلة إحتكار الغرب للمعرفة والهيمنة على الثقافة العالمية وبالتالي فتح الطريق أمام قوى الإستعمار والإستغلال الرأسمالي للإستمرار في السيطرة على موارد وإقتصاديات الشعوب المغلوبة على أمرها ومنها شعبنا العربي وتعميق الشعور بالدونية والجهل والضعف لدى تلك الشعوب وإشعارها بأنها ليست أكثر من سوق لتصريف بضائعها ومنجزاتها المادية والثقافية..
إن تفوق العقل الغربي على العقل العربي أكذوبة علمية خطيرة تمت تنميتها ورعايتها والتثقيف عليها عبر أجيال طويلة منذ بداية عصر النهضة الأوربية في القرن السادس عشر منطلقين من حقد تاريخي قديم على العروبة والإسلام إثر هزائمهم المتتالية في حروبهم الصليببة الثلاث التي إستهدفت إحتلال الأرض العربية والإستيلاء علي ثرواتها وخيراتها بحجة الدفاع عن بيت المقدس وتحريره من أصحابه الشرعيين (العرب المسلمون) وهو ما أدى في نهاية الأمر الى إندحارهم المدوي وفشل مشروعهم الأستعماري كما هو معروف..لقد أثبت التطور العلمي بطلان وزيف تلك الإدعاءات الهزيلة وعدم قدرتها على الصمود أمام الحقائق العلمية الدامغة التي إتضحت للجميع وفضحت أهداف وغايات مطلقيها الشريرة وفندت ما تدعيه تلك الأفكار البائسة وطعن في صدقيتها..
ومع هذا فإن البعض من الكتاب وأشباه المثقفين والحاقدين على العروبة كثقافة وحضارة ما زالوا كالببغاوات يرددون ما يقوله غيرهم مؤمنين بهذه النظرية العرقية العنصرية القائمة على إحتقار الشعوب والنظر إليها على أنها أقل شأنا وقيمة ثقافية وحضارية وأدنى منزلة من الإنسان الغربي عبر تثبيت (مبدأ الثبات والصفات الجوهرية) عند العرب والشرقيين وإقناعهم بأنهم لا يملكون الإستعداد الكافي للتغيير بزعم أن جوهرهم لا يقبل التغيير لأنهم قد جبلوا على نمط من التفكير لا فكاك منه وهم متخلفون بالفطرة..
حياة الشعوب
أن هذه النظرة الدونية التي تقطر حقدا وإستعلاءا عنصريا مقيتا تنطلق وفق ما يراه المفكر وعالم الإجتماع الفرنسي “مكسيم رودنسون (من سعي الغرب المتواصل للحفاظ على كل ما غدا عتيقا وباليا في حياة الشعوب وإلى التحالف مع أكثر القوى رجعية ومحافظة وتخلفا في مجتمعاتها وإلى إتهام المثقفين الوطنيين مهما كانت إتجاهاتهم (إصلاحيين، إشتراكيين، قوميين،) بالتقليد الأعمى إضافة الى عد كل محاولة للتحديث أو التغلب على حلقة التخلف والتبعية على أنها ليست أكثر من تزييف للأصالة المحلية وخيانة للخصوصية الشرقية الى تعزيز الأساطير والخرافات حول أسرار الشرق الروحية العميقة وضرورة المحافظة عليها).. إن العقل البشري واحد وليس هناك ثمة عقل عربي وعقل غربي أو شرقي أو غير ذلك كما يقول المفكر العربي “محمد عابد الجابري”وهناك الكثير من المفكرين في الغرب من أكد على وحدة العقل البشري من حيث القواعد والمبادئ ذلك لأن العقل بتعبير الفيلسوف الإنگليزي كانط”(هبة إلهية لكل البشر من باب أن الحقيقة المطلقة واحدة).. وكما يقول المفكر العربي”بو عرفة”(فإن العقل هو عقل كوني يحتكم الى المبادئ نفسها التي تنظم عملية التفكير وأغلب الفلاسفة نظروا الى العقل كملكة إنسانية مشتركة لكن الإختلاف يكمن فقط في عملية”توظيف العقل” أي طريقة التفكير وبالتالي يصح القول بوجود فكر عربي وفكر غربي بإعتبار أن الفكر هو الذي يحدد نظرتنا الى المعرفة)..وهنا يؤكد الكاتب والمؤرخ الأمريكي”يوجين ا مايرز” في كتابه (الفكر العربي والعالم الغربي)ان الفكر الغربي قد تأثر بالفكر العربي ذلك لأن (جذور الفكر الغربي خليط من فكر إغريقي وعربي وإكتسب مزج معارف الشرق والغرب قوة من كل مصادرها)..
وأخيرا وبنظرة فاحصة سريعة سنرى أن هناك الآن الالاف من الشباب العربي الذين هاجروا الى أمريكا وأوربا والكثير منهم علماء ومثقفون في شتى جوانب الفنون والآداب ومن ذوي الكفاءات العلمية وحملة شهادات الدكتوراه في مختلف حقول العلم والمعرفة (علماء،مهندسون،أطباء،فنيون، أصحاب خبرة وإختصاص) يساهمون منذ زمن طويل بفعالية ونشاط وقوة بكل ما تتميز به عقولهم العربية الفتية المبدعة القادرة على العطاء والإبداع في عملية صنع التطور والتقدم الحضاري في مختلف مجالات التقانة والعلم في البلدان الأوربية وأمريكا وغيرهما من الدول..وهذا يؤكد أيضا بما لا يدع مجالا للشك حيوية العقل العربي وقدرته على التجدد والعطاء إذا ما توفرت له الأجواء المناسبة التي تساعد على نموه وإزدهاره وتنفي عنه كل الإتهامات الكاذبة حول ضعفه وتخلفه التي يروج لها أعداء التقدم العربي الذين يحاولون بكل ما يستطيعون إبقاء العرب مجزئين متخلفين ضعفاء لمواصلة إستغلالهم ونهب خيراتهم وثرواتهم ..

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه