أبوخلف ودار زايد

بقلم عبدالناصر نهار تشرين2/نوفمبر 14, 2020 473

 

أبوخلف ودار زايد
عبدالناصر نهار
الإمارات رسمت لنفسها بذكاء طريق المستقبل قبل عقود، وتمكنت بجهود رجالها المُخلصين من أمثال المغفور له بإذن الله محمد خلف المزروعي، من تحقيق المُعجزات والوصول نحو أهدافها خلال فترة زمنية وجيزة جدا.
بوخلف: من زايد استلهمنا الاحساس بالتراث
في فضاءات الحنين للغائبين عنّا، الأوفياء الصّادقين، تختفي نعمة النسيان مهما طال الزمن، ويضطرب القلب ويرتعش، فيتجمّد حبر القلم وكأنّه لم يكتب يوما حرفا واحدا.. فما أقسى رحيلك يا أبا خلف! وكم هو موجع غياب الأحبة المُخلصين.
ما زلت أستحضر ابتسامته أمامي، وهو النموذج للرجال الأوفياء للدار وضيوفها، هكذا هم الطيّبون والمُميّزون دوما، إنهم يتعجلون الرحيل تاركين لنا حضورهم حُلما جميلا لا نرغب في الاستيقاظ منه.
لم تقتصر اهتمامات أبوخلف – رحمه الله – على الجوانب التراثية والثقافية والإعلامية التي برع فيها حدّ الريادة، بل كانت له كذلك صولات وجولات صعبة في مواجهة القوى الظلامية التي اتخذت من الدين ستارا، فتصدّى لها بالفكر المُستنير والحوار الثقافي الهادئ، وكان له أيضا ما أراده من نجاح يُشارك به في حماية وطنه وصون إنجازاته.
أذكر أنّه في صيف العام 2002، ولم يكن حينها قد أطلق بعد ثورتيه التراثية والثقافية، وبينما كنّا في لقاء ودّي بأحد مقاهي أبوظبي قُرب الكورنيش، وبحضور عدد من القيادات الشابة، القليلة حينها، كان أبوخلف ينقل لنا وبحماس كبير تطلعات أصحاب السمو الشيوخ إلى أن تكون دولة الإمارات ضمن أفضل خمس دول في العالم بحلول العام 2021.
في الحقيقة، وبقدر ما كنت مُتفاجئا ومُعجبا بهذه التطلعات المشروعة لدولة عربية عزيزة على قلوبنا، وبالرغم من أنّ الإمارات حينها كانت دولة مرموقة تشهد نهضة حضارية مُتنامية، إلا أنّ البعضَ قد يلمس شيئا من المُبالغة في إعلاء سقف الطموح لدولة تأسست في العام 1971، ونحن نتحدث هنا عن تصريحات قيلت قبل نحو 18 عاما، بكلّ ما يعنيه هذا الفارق الزمني في ذلك الوقت.
لكن ها هي دولة الإمارات اليوم، وقبيل الموعد المُفترض الذي تمّ تحديده بفترة طويلة، نفخر بها وقد تبوأت المراكز الأولى في مؤشر جودة التنظيم الحكومي على مستوى العالم، وفي مؤشر التوجّه المستقبلي للحكومة، كما جاءت في قائمة أبرز الدول بأكثر من 100 من مؤشرات التنافسية الاقتصادية والإنفاق على البحث العلمي مُطيحة بذلك أكبر دول العالم وأفضلها تطورا، فضلا عن تصدّر الإماراتيين لقائمة أكثر شعوب العالم سعادة في السنوات الأخيرة.
وفي ذات الوقت، يواصل جواز السفر الإماراتي تعزيز تقدّمه كأقوى جوازات السفر في العالم، بما يعكسه هذا الإنجاز الكبير من مكانة حقيقية لدولة الإمارات على الصعيد الدولي، ونجاح كبير للدبلوماسية والقيادة الإماراتية.
وها هي دار زايد، تقترب اليوم من الاحتفاء بيوبيلها الذهبي بامتياز، بعد إنجازات حافلة حققتها على مدار الخمسين عاما الماضية في عدد من أهم ميادين العلوم عبر مشاريع اقتصادية وفضائية ونووية وصحية وتعليمية مُتفرّدة، انعكست على جودة الحياة ورفاهية الإنسان على أرضها الطيّبة، وفي ذات الوقت أصبحت اليوم أحد أهم صُنّاع المُستقبل والسلام لخير البشرية جمعاء.
هذه الحقائق تعني الكثير، فالإمارات رسمت لنفسها بذكاء طريق المستقبل قبل عقود، وتمكنت بجهود رجالها المُخلصين من أمثال المغفور له بإذن الله محمد خلف المزروعي، من تحقيق المُعجزات والوصول نحو أهدافها خلال فترة زمنية وجيزة جدا، ولتكون كلمتها ذات ثقل وحاضرة بقوة اليوم في كافة الميادين السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية على مستوى العالم.
على كافة دول العالم اليوم، إن أرادت تعزيز مكانتها الدولية، أن ترسل مواطنيها وقادتها ليكتسبوا الخبرة من أهل الإمارات وقادتهم، لكن عليهم أولا أن يتحلوا بحب وطنهم بنفس القدر الذي يحمله الإماراتيون لبلدهم.
محمد خلف المزروعي هو أحد هؤلاء الرجال الشرفاء الذين ساهموا في وضع وطنهم بالمراكز الأولى على مستوى العالم، فقد كان – رحمه الله – يعمل جاهدا على إبراز صورة دولته ومجتمعه على أحسن صورة في مختلف المجالات.
إحدى أبرز خصاله أنّه لم يكن يرغب أبدا في أن ينسب أيّا من إنجازاته الكثيرة إليه شخصيا، فلطالما كان يعتبرها إنجازات إماراتية تمّت بفضل توجيهات القيادة الرشيدة وتكاتف فريق العمل المُخلص.
قبل 6 سنوات من اليوم، نقل لي أحد الصحافيين الفرنسيين اتصال ﺍﻟﻤﺪﻳﺮﺓ اﻟﻌﺎﻣﺔ السابقة ﻟﻠﻴﻮﻧﺴﻜﻮ ﺇﻳﺮﻳﻨﺎ ﺑﻮﻛﺎﻓﺎ به فور سماعها نبأ الرحيل المفاجئ للاستفسار عن مدى دقة المعلومات، ولتُعبّر حينها عن عميق حزنها لهذه الخسارة الكبيرة لرجل عشق وطنه وعمل بجهد من أجل تسجيل تراث وآثار دولة الإمارات في قائمة التراث الثقافي المادي والمعنوي بمنظمة اليونسكو.
فلقد كانت للراحل، وفقا لما قالته بوكافا، مواقف فكرية وثقافية ووطنية كبيرة معروفة على مستوى العالم، وكان حريصا على إعلاء اسم دولة الإمارات في كل المناسبات، يفرح كثيرا عندما يرى علم بلاده في المحافل الدولية، وكان ودودا ومُحبّا للتواصل بين مختلف الثقافات.
لقد عزّز فينا محمد خلف قيم المبادئ والتفاني في العمل والفخر بالمُنجزات، حتى أحببنا الإمارات بمستوى حبّه فعلا لا قولا، علمنا المحبة والتسامح ومعنى الأخوّة، معنى البذل ومواصلة العطاء للوطن والقيادة الرشيدة، وللشعب الأصيل المُتفرّد بهويته الإماراتية، التي هي ثقافة وهوية وفخر كل العرب دون استثناء، لكن ليت هؤلاء أحبّوا بلادهم كما أحبّ أبوخلف دار زايد! ليت هؤلاء يعرفون معنى الوطن!
محمد خلف، لم يرحل، ما دام الرجال في دار زايد يُكملون الرسالة.
“دار زايد” العبارة الأحب إلى قلبه وعقله وروحه.
رحمك الله، أبا خلف، وأدخلك فسيح جناته.

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه