أحمد عبد الصمد في ذكرى رحيله الأولى
عمار الصالح
تعجز الكلمات عن استعراض مسيرة شهيد الكلمة احمد عبد الصمد، فمن الصعب تصديق الوحشية التي اردي بها، والتي تدفع برحيله الفاجع إلى منطقة تبقى عالقة بالذاكرة مهما حيينا.
بدأ أحمد عمله المهني عام 2003 مراسلا اخباريا في مجال الصحافة المقروءة, ليتنقل بعدها الى العمل في القنوات التلفزيونية، فكانت قناة الفيحاء الفضائية محطته الاولى التي ابدع في عمله بها لمدة عشر سنوات تقريبا، قدم خلالها تقارير ورسائل وأعدّ برامج نالت اعجاب المشاهدين, ومع توقف الفيحاء واصل عمله في قنوات محلية اخرى منها قناة NRT عربية، بينما كانت محطته الاخيرة مع قناة دجلة الفضائية.
ولد احمد عبد الصمد، وهو اب لثلاثة اطفال، عام 1980 وكان في شهره السابع عندما استشهد والده في الحرب العراقية الايرانية, وبرغم ظروف الحياة الصعبة تمكن من اكمال طموحه الدراسي فحصل على شهادة الدبلوم في ادارة الاعمال, وبعد التحاقه بالعمل الصحفي شغل عضوية الهيئة الادارية لنقابة الصحفيين العراقيين على دورتين متـتاليتين 2005- 2009 ونال عضوية اتحاد الصحفيين العرب واتحاد الصحفيين الدوليين، إضافة إلى مساهماته في تأسيس عدد من الصحف المحلية في البصرة كصحيفة الأيام الاسبوعية وصحيفة مدينتي الاقتصادية ويعد من أوائل الصحفيين الاستقصائيين في العراق.
تميز أحمد بإطلالته الجريئة على شاشات القنوات التي عمل فيها خلال اضاءته الاخبارية ومتابعته الجدية في كشف حقيقة الاحداث والتطورات على الساحة البصرية، فأضاف عمله متعة المشاهدة لدى المتلقي وزاد من متابعي تلك المؤسسات الاعلامية, لكنه في الوقت نفسه اثار بعمله هذا بغض وحقد من قام بفضحهم امام الرأي العام، فشكل وجوده مصدر قلق للأحزاب الدينية والسلطات المحلية والمسؤولين الحكوميين المتورطين بقضايا السرقة والفساد, ونتيجة ذلك تعرض خلال مسيرته الصحفية الى مضايقات كثيرة وتهديدات مستمرة، لكنه كان يتجاهلها غالبا ويستمر في ظهوره المتميز.
عندما وجد ان المصالح والتفاهمات السياسية اكبر من حرية التعبير وتغيــــــــــــب فيها نقل الحقيقية كاملة توجه الى اعتماد وسائل التواصل الاجتماعي في ايصال رسالته الى الجمهور, ولاسيما من خلال مقاطع الفـــــــــــيديو التي كان يبثــها عبر صفحته الشخصية على الفيــسبوك والتي كانت تحصد تفـــــاعلات واهتمام الالاف المتابعين.
كان يسعى الى تحقيق تغيير في الوضع القائم في العراق والقضاء على آفة الفساد والحد من سلطة الاحزاب وتقديم المسؤولين الفاسدين الى المحاكم, يدفعه الى ذلك قربه من معرفة تفاصيل الحقيقة واطلاعه على حجم فساد المستشري في البصرة.
لقد وجد في التظاهرات المدنية الوسيلة الوحيدة لتحقيق التغيير في العراق, فعمل على تحفيز التظاهرات واضاءتها المباشرة, وكشف استخدام السلطات لوسائل القمع والاعتقالات تجاه المتظاهرين، وكثيرا ما كان يثقف الجماهير للالتحاق بالتظاهرات المدنية, بالمقابل وجد فيه المتظاهرون انه اقرب الشخصيات الصحفية اليهم فمنحوه حبهم وثقتهم في التعامل معه, وفي كثير من الاحيان اصبحت الهتافات التي كان يرددها شعارات في ساحات التظاهرات كـ”انصروا الثورة لأجل ان ننعم بالحرية”.
اغتيل احمد عبد الصمد مساء يوم الجمعة المصادف العاشر من كانون الثاني 2020 برفقة زميله المصور صفاء غالي بعد عودتهما من تغطية التظاهرات السلمية في مدينة البصرة وقد عثر في جسده الطاهر على 27 رصاصة من فوهات الغدر والارهاب.
عند تشــــــــــييع جثــــــمان الشهيد من داره كنت اتناوب في حمل نعشه مع الزميل طالب البديري وأشقائه لكننا لم نتمكن من الاحتفاظ بجثمانه ، إذ اختطفته ايادي الجماهير لتسير به مشيا على الاقدام وسط هتافات واناشـــــيد وطنية من دار عائلـــــــته الى ساحات تظاهرات البصرة، ليصلي على جثمانه الوطن ويودعه البصريون الوداع الاخير.
لا يعد احمد عبد الصمد الذي اتسم بشخصيته الايجابية وروحه المتفاـــــــــئلة, ظاهرة او تجربة تنتهي برحيلها بل هو يمثل الوعي الوطني الحقيقي الذي اسهم مع رفاقه الــــــشهداء في ولادة ثورة تشرين الوطنية ولسان حالهم يقول “أنا إن مت شهيداً إنما موتي ولادة”..