لماذا يا أبي ؟

بقلم محمد علي شاحوذ كانون2/يناير 29, 2021 287

لماذا يا أبي ؟

محمد علي شاحوذ

كان ابي ( رحمه الله) رجلا عظيما ذا سطوة, وقد حباه الله بصفات كثيرة, وكان يتمتع بفطنة نادرة, وهو خبير بكل مكنونات النفس البشرية, ولم يتمكن مخلوق قط من خداعه في كل حياته, وله باع طويل في كشف نيات الناس وتوجهاتهم, ومن المستحيل ان تكذب او تراوغ بين يديه, وفي حين يمتلك باقي الناس الحاسة السادسة, فقد امتلك ابي الحاسة السادسة بعد المئة, وبسبب ملامح وجهه الحادة وشكل حاجبيه المقطبين ونظرات عينيه الثاقبة فانك ستعترف امامه دونما سؤال منه بكل ما ارتكبته يداك من آثام وخطايا, ولو جربت الكذب والمراوغة بحضوره فانك بذلك تكون قد نصبت بيديك مشنقتك التي ستراها منصوبة في بؤبؤ عينيه الواسعين, وحتى لو التزمت الصمت فهو لا محالة قد اطلع على كل ما في راسك ورأس جدك السابع !!. لكن ابي لم يرغب ان ينقل لي فراسته بالناس, ولم يشأ ان أصبح نسخة مكررة منه, ولذلك لم يُعلمني طريقته النافذة في كشف معادن الناس, وربما كان هدفه من ذلك ان يترك لي متعة اكتشاف العالم بنفسي, أو أراد ان يؤخر صدمتي المبكرة بالناس, ولكن لم تكن حساباته دقيقة, فلم يدر بخلده ان ترك مهمة اكتشاف العالم اعتمادا على حدسي قد أوقعتني بمطبات كثيرة!!.
وبعدما كبرت اكتشفت ما كان يخفيه ابي عني, فهو لم يخبرني ان بإمكان كل النساء ان يلدن ذكورا ولكن ليس كلهنَ ينجبن رجالا, وأخفا عني ان هناك نساء يرتكبن كل انواع المنكرات والفواحش يوميا دون ان يمسهنَ رجل غريب!!, وان بعضهن يتفننّ في دعارة اللسان للوصول لأهدافهنّ الوضيعة, ولم يقل لي ان الرجل قد يستخدم زوجته بطريقة واخرى في طريقه الى مبتغاه, ولم ينصحني انني لو فيما لو قابلت في مسيرة حياتي بعض القبيحات المسترجلات صاحبات الشوارب الطويلة, فانه يتوجب عليَ لتجنب شرهنَ أن أجَمِلَ قباحتهنَ, وانظم أروع القصائد في جمالهنَ الاخاذ برغم انهنَ ينافسن الجاحظ في قباحته وعنترة بن شداد في غلظته!!.
لم يعلمني ابي طريقته العجيبة التي يتمكن من خلالها كشف نوايا الناس الحقيقية, ولم يدربني على طريقته المضمونة و السريعة في شم رائحة المنحرفات ولو كُنّ على مسافة مئات الامتار!!, وبدلا من ذلك فقد أوصاني ان اعمل صالحا, وأن لا افضح امرا ستره الله, ولا أخون عهدا, ولا اضيع امانة, ولا أشهد زورا, ولا أكتب باطلا, ولا اقول الا صدقا, ولا أدَعي بهتانا, ولا اعمل الا صالحا, ولكنه ألحَ كثيرا في ان لا افشِ سرا مهما يكن وتحت اي ظرف, وكرر وصيته ان أجعل من صدري قبرا للأسرار, وقد تكون هذه اهم وصية لي التزمت بها لأنني لو فتحت فمي وبحت بما في قلبي لتسببت بخراب عظيم!!.
فلماذا يا ابي لم تدلني الا على طرق الخير والفضيلة, ولم ترشدني لطرق الشر والدناءة ؟؟, ولمَ زرعت في داخلي العلم والخجل والمروءة, ولم تُنمي لدي الجهل والحيلة والمراوغة ؟؟, وفيم جعلتني مواطنا صالحا, رقيق القلب, بلا مخالب, ولم تصنع مني رجلا شريرا سفيها جلادا؟؟, اقلها كنت سأتحمل مواجهة كل هذا الخراب الذي سببه لي شلة من السفلة وانصاف العاهرات من الذين وضعهم القدر في طريقي!!.

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه