أرشيفهم وتاريخنا
مروان عدنان
شاهدت قبل مدة، تقريراً عن مكتبة الكونغرس، تحتوي هذه المكتبة على كنوز ووقطع ووثائق مهمة جداً، منها فيلم يقولون انه اول فيلم سينمائي، ليس اكثر من حركة شخص امام الكاميرا لعدة ثوانٍ..، لكنهم آحتفظوا بهِ كتاريخ يزداد قيمة مع السنين.
وتضم خزائن هذه المكتبة، مصحفاً صغير الحجم، مع صندوقه الأثري، عمره (500) عام، يقول مشرف المكتبة إن هذا المصحف يخصّ الرحالة المسلمين، لأنه يسمح لهم بالقراءة وهم على ظهور الجمال أو الخيول.
في آب 2020 أعلن (غيلان السيّاب) نجل أكبر شعراء العراق، بدر شاكر السياب، في أحد البرامج الثقافية، أنه سيودع مخطوطات والده ومتعلقاته إلى هذه المكتبة (مكتبة الكونغرس). راقبت ردود الفعل على إعلان السياب الابن، فهناك من يجلده ويخوّنه لأنه سيمنح تراث البلاد إلى الأجانب، وهناك من يؤيده، ما دامت هذه المخطوطات ستكون بمأمنٍ على كلّ حال. فكرة غيلان هذه، فتحت الذاكرة على تساؤلات لا تنتهي:
ما الذي نحتفظ به للسياب من حوارات تلفزيونية مسجلة إن وجدت أصلاً؟
إن الصور التي التقطت له وهو على سرير المرض في الكويت، أكثر من الصور التي التقطت له وهو معافىً في البصرة أو بغداد! هل من العيب أن تنقل الوثائق الثمينة، من موضع الخطر، إلى الخزائن الآمنة؟ وفي التاريخ أمثولات كثيرة عن أدباء أودعوا مخطوطات كتبهم خزائن البنوك المحصنة. أليس مع غيلان الحق، وهو الذي أعلن ان الشخص الذي آستأمنه على منزلهم في البصرة بعد ان اضطرت عائلته للنزوح إلى الموصل بسبب الحرب العراقية الإيرانية، خان الامانة وباع كثيراً من متعلقات والده؟!
أليس من الأفضل أن تكون محفوظة، بدلاً من ضياعها مثلما ضاع كثيرٌ من أرشيف العراقيين، الذين ما عاشوا حياة إلا حياة الطوارئ وعدم الإستقرار وترقب المجهول؟!
بدلاً من أن يكون لسان حال المبدعين، ما قاله الشاعر العراقي قديماً:
وأخذتُ في كفني علوماً لم أجد من يحفظنّ حقوقها ويصونُ !
قبل أكثر من عقد، كانت قناة الجزيرة، تبثّ برنامجاً مهماً للغاية، عنوانه “أرشيفهم وتاريخنا” تراجع فيه حوادث كبرى هزّت المشرق العربيّ، لا يمتلك العربُ عنها ما يلزم من الوثائق والكتابات، فاضطروا للاستعانة بأرشيف الغرب عنها، وهو تاريخنا!
ومثل هذا يتكرر كثيراً، فإبداع السياب هو ملكنا، مثله مثل إسطوانات ناظم الغزاليّ، التي ربما أنقذها الحظّ في أن يكون مصيرها مشابهاً لمصير كاسيتات برنامج “الندوة الثقافية”، الذي كان يقدمه الباحث سالم الآلوسي بين عامي 1972-1960وفي هذا البرنامج حاور العشرات من شعراء وكتّاب وفنانين عراقيين ومهتمين بالشأن التاريخي والوثائقي، والذي قال قبل وفاته ان أشرطة البرنامج تم مسحها وسجّل عليها برنامج “بنات الريف” في حادثة تضحك وتبكي!