أعوذ بالله من هذه القبلات
رباح آل جعفر
لكل امرئ من دهره ما تعوّدا. قالها المتنبي قبل أن تفتك به أصايل آل ضَبّة فيذهب مغدوراً في العراق. ومن أسوأ عادات العرب هذه القبلات. تكتب رسالة إلى صديق هناك. تبدأها بأقبّلك مليون قبلة. تنتهي الرسالة ولا تنتهي القبلات!.
كان يهوذا الأسخريوطي تلميذ السيّد المسيح عليه السلام وقد اتفق معه الرومان مقابل ثلاثين قطعة من فضة على أن يقوم بتقبيل المسيح لكي يقبضوا عليه وحدث أن فعل.. فكانت أشهر قبلة للخيانة في التاريخ!.
والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات كانت له قبلات مشهورة. قبلته على يد زوجة رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين، وقبلته على يد زوجة الرئيس المصري حسني مبارك. وكان يملأ يديه دائماً بالقبلات وينثرها في الهواء. ومستشاره نبيل شعث يقول إنه أمضى ليلة كاملة من المفاوضات حتى نجمة الصبح لإقناع عرفات أن يستغني عن تقبيل الرئيس الأميركي بيل كلنتون ورئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين في قمة واشنطن فوافق!.
لكن أبا عمار تراجع عن وعده في اللحظات الأخيرة وعاد يقبّل رابين من وجنته. ربما ظنّ أنه الرفيق المناضل تشي غيفارا.
ووزيرة الخارجية الأميركية الآنسة المليحة السمراء كونداليزا رايس عادت من جولة في العالم العربي لتعلن في مؤتمر صحفي: لقد أوشكت أن أفقد عذريتي لكثرة ما قبّلني الرجال العرب!.
وعندما جاء مستشار الأمن القومي الأميركي هنري كيسنجر إلى القاهرة استقبله الرئيس أنور السادات بأحضان دافئة وبقبلات عميقة. فكان مذيع التلفزيون المصري مبهوراً أمام مشهد العاطفة الغلّاب لا يعرف بماذا يعلّق واكتفى بالقول: إن التاريخ يتعانق بحرارة!.
والعرب يقبّلون بعضهم بعضاً تعبيراً عن المحبة والولاء وربما من باب الارتزاق والنفاق في أغلب الأحيان، ويغطون على سوءاتهم بالمكائد ويتداوون بالتي كانت هي الداء. ويعضّون على الخدود، ويعانقون الأكتاف، ويلثمون الشفاه، والأنوف، والجباه، والأيدي. فكلما ساءت العلاقات العربية زادت قبلاتهم، التي وصفها الشاعر نزار قباني حين قال:
قبلاتُـهم عربيةٌ من ذا رأى
في ما رأى قُبُـلاً لها أنيـابُ ؟!
ودواوين الشعر العربي أمطرتنا بالقبلات بجميع أشكالها الخاطفة، والعميقة، والرقيقة، والسريعة، والطويلة، والرخيصة أيضاً. كل قبلة لها معنى من التي يطرب لها الشعراء والرومانسيّون والعشاق. بعضها تستقبلها عن طيب خاطر، وبعضها الآخر تتحملها بالغصب والإكراه. وفي ديوان الأخطل الصغير جحيم من القبلات. وكان الشاعر الكويتي الضرير فهد العسكر يطلب من الحبيب قائلاً:
قــبّــلْ فــدَيـتُـكَ مَبسمي دَعْ جـيـدي
وإلـى اللقــاءِ صــبـاح يـــوم العـيــــدِ
وعندما أطلّ يوم العيد. غنّت أم كلثوم في ذلك العصر الجميل «يا ليلة العيد آنستينا». فاحتفل العرب فرحة وبهجة من «عيد النكبة» إلى «عيد النكسة». تمرد العُذَّال مع الأحباء. وذابت الجماهير العربية بالعناق.
ولم يستطع وباء كوفيد أن يوقف هجوم القبلات العربية برغم التحذيرات الطبية بأنها ناقلة للفيروس القاتل وتودي بحياة الأعزاء موتا وهلاكا. لكن العرب متمسكون بأسوأ موروث في تاريخهم دليلاً على صيغة التعايش المشترك. برغم أن هذه القبلات أشدّ فتكاً من سلالات كورونا جميعاً.. ولا حول ولا قوة إلا بالله!.