في مواجهة (الملاعق)
عادل سعد
استوقفني مقترح للمهندس النائب محمد شياع السوداني نشره ضمن مقالة له في صحيفة الزمان الصادرة يوم الخميس 2021/3/11.
لقد دعا الى استحداث صندوق استثماري يتم تمويله استقطاعاً من النفط المباع مع أغتنام الزيادة التي حصلت في اسعار النفط الان، بل ذهب الى نشر قائمة منتقاة بالمشاريع التي يمكن ان يمولها الصندوق على وفق قياسات مناسبة .
لا شك ان الرؤية الحسابية التنموية هي التي دفعته الى تقديم هذا المقترح خصوصا وانه كان قد تولى حقيبة وزارة العمل والشؤون الاجتماعية وشهدت الوزارة في عهده متغيرات مهمة لصالح تطبيب الفقراء من العوز وتفاقم الحاجة،،ولي ان اشير هنا الى انني رصدت لديه زخماً كبيراً من القلق على الخدمة التي تؤديها الوزارة باحتمال تذبذب مشروع الاعانات او تعرضها للانتكاس ، وبمقابل ذلك كان امله في ضخ المزيد من الافكار التطبيقية بشأن مشاريع تنموية وخدمية صغيرة ، وادهشني انه يمتلك رؤية واقعية لمعالجة ظواهر العوز المعاشي العام
لقد اتيح لي ذلك خلال متابعتي لأراء تناولها مع وفد من منظمة حمورابي لحقوق الانسان زاره في مقر الوزارة ضم السيدة باسكال وردا رئيسة المنظمة والسيد وليم وردا مدير العلاقات العامة فيها وانا ، وكان هدف الزيارة تأمين مصدر دعم اقتصادي واجتماعي للمظلومات الايزيديات ، واذكر انه قطع شوطاً مهما في رعاية ذلك المشروع
كان السوداني خلال مسؤوليته الوزارية مسكوناً في اعتماد برنامج عمل للوزارة يطهرها من الاجراءات الروتينية ومقارعة مفتوحة مع الفساد بكل لبوسه المعروفة ، كما تبين لي حينها انه على دراية من مشاريع دعم نجحت في تركيا والهند ودول اخرى
وهكذا يبدو لي ان الصندوق الاستثماري الذي اقترحه ضمن مقالته في الزمان يندرج ضمن تشخيصه ان الوضع الاقتصادي في البلاد تجاوز الخطوط الحمر ، وان الهدر والتجريب صارا متلازمة بنيوية تنخر الحالة العراقية مع وجود نذر واضحة للانكشاف الاقتصادي اخطر مراحل الركود .
اقول تحت ضغط كل ذلك جاء مقترح السوداني بشأن الصندوق ، لكني لا اجد في المقترح ما يعين الاقتصاد العراقي على اجتياز محنته.
بتوضيح مضاف انشاء صندوق من هذا النوع يعني استحداث مؤسسة جديدة بكل ما تتطلب من ادارة ولوائح عمل لتنظيم علاقة هذا الوليد المؤسسي الجديد مع ان احد العاهات الاقصادية العراقية الاميبية ، كثرة المؤسسات وماتسببت به تلك الكثرة من ترهل وبطالة وظيفية مقنعة وزيادة في الكلفة المالية المرصودة للميزانية التشغيلية وفرص اضافية للفساد ، ان لم ينخرط المشروع ضمن نزعة التكالب الحصصي بين الطاقم السياسي الحاكم ، ثم من يضمن ان اسعار النفط تبقى على ارتفاعها الحالي ، وكيف تكون المعالجة لو انها هبطت الى الحضيض ، بل كيف يمكن ضمان نظام BOT القائم على التشغيل والبناء والتحويل بعد انتهاء مرحلة الامتياز التي تمنح للشركات الاستثمارية الخاصة في واقع اقتصادي ملغوم بنزعات التحين ، والتملص ، والنكث بالتعهدات خلافاً للعقود المبرمة ، وهناك الان قائمة طويلة لشركات اخلت بالشروط ويقتضي الامر محاسبتها قضائياً .
ان نظامBOT هو نفسه نظام (المساطحة) بالتفسر الاستثماري المحلي وهو يحتاج الى بيئة هادئة امنياً وسياسياً، بل واجتماعياً ، وليس مثل ما يعانيه العراق الان من عواصف ، والعواصف وفق التشخيص الصيني لا تعرف القراءة….بخلاصة تحليلية ، لا ينقص الدولة العراقية الان قلة المؤسسات المعنية بالبناء التنموي والخدمي منذ انشاء مجلس الاعمار في عقد الستينات من القرن الماضي ، بل ما ينقصها البصيرة الحكومية في اقتصاد مازال يحكمه مفهوم الريع ، ومازال الترقيع المالي يخيم عليه ، اعني نزعة المناقلة بين الموجودات المالية ، وكذلك استسهال اللجوء الى الديون والبقاء في عسل الانتظار السائب مع التغاضي عن الكلفة الباهظة لفوائدها
انني اتفهم ما اقترحه المهندس السوداني ، فهو صاحب رؤية اصلاحية نزيهة لا غبار عليها ، لكني لا اجد في مقترحه الحل الجامع ، وليسمح لي ان اقترح عليه عقد ورشة (فحص) سريري موحد شامل للوباء المتفشي في الاقتصاد العراقي تضع اليد على الداء المزمن .
بقراءتي، هناك تباين في التشخيصات ازاء مشاكل هذا الاقتصاد ، ان لم اقل تضارب ،بعضها بأجندة امينة في التشخيص واقتراح الحلول ، واخرى تنافعية بحركة ملاعق ، ولذا ، الحاجة الملحة الان ، اخراج الشوائب من العجين ……