أفغانستان ليست جائزة كي تخشى واشنطن خسارتها

بقلم علي قاسم تموز/يوليو 07, 2021 388

 

أفغانستان ليست جائزة كي تخشى واشنطن خسارتها

ثلاثة عوامل ستحدد السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط مستقبلا، الأول تناقص أهمية النفط، والثاني أن إسرائيل لم تعد منبوذة في المنطقة، والثالث أن من يمتلك تكنولوجيا المعلومات يمتلك العالم.
حرب "عبثية" كلفت حياة 2300 جندي أميركي
بعد عشرين عاما من دخولها أفغانستان، وبعد حرب "عبثية" بلغت كلفتها 2.4 تريليون دولار وشهدت مقتل أكثر من 2300 جندي أميركي، ماذا حققت الولايات المتحدة؟
بالطبع لا يمكن الإجابة على هذا السؤال دون أن نحدّد ماذا أرادت واشنطن من مغامرتها الأفغانية.
علينا أن نتذكر أن التدخل الأميركي في أفغانستان لم يبدأ عام 2001، بل بدأ قبل ذلك التاريخ بعقود.
في 1979، قام الاتحاد السوفييتي، الذي كان يخوض حربا باردة مع الولايات المتحدة، بغزو أفغانستان. لتتاح للأميركيين فرصة الانتقام لخسائرهم التي تكبدوها في فيتنام، تلك الخسائر التي ما كان لها أن تحصل لولا الدعم السوفييتي للشيوعيين هناك.
لم تتردّد واشنطن، التي مازالت ذكرى هزيمة فيتنام المرّة عالقة في فمها، في تقديم الدعم وتمويل المجاهدين لقتال السوفييت.
في عام 1988، اضطرت موسكو إلى قبول الهزيمة وبدأت الانسحاب من أفغانستان. ولا يزال السوفييت يذكرون تعليق رونالد ريغان الذي يحمل الكثير من الشماتة "بعد 9 سنوات طوال من الحرب، انتصرت شجاعة وتصميم الشعب الأفغاني ومقاتلي الحرية الأفغان. واليوم، نهاية الاحتلال في الأفق".
إثر خروج السوفييت تمزّقت البلاد. ونسيت الولايات المتحدة، أو تناست، أمر أفغانستان وأمر الجهاديين الذين زرعتهم هناك، ومن بينهم أسامة بن لادن، لينتهي الأمر إلى تفاهم وتحالف بين طالبان والقاعدة.
وسرعان ما انقض الوحش الذي صنعته واشنطن على سيده. في 11 سبتمبر 2001، هاجمت القاعدة الولايات المتحدة. ووجّه الرئيس بوش تحذيرا إلى طالبان قائلا "أغلقوا على الفور وبشكل تام كل مخيم تدريب إرهابي في أفغانستان وسلمّوا كل إرهابي".
هناك من يقول إن الولايات المتحدة لم تدخل أفغانستان لتكسب حربا. وما الحديث عن كسب الحرب إلا خدعة للتغطية على الأهداف الحقيقية. الحرب لا تكسب بتدمير جيش عدو واحتلال العواصم. والسياسيون الأميركيون أكثر من يعرف ذلك.
لم يكن صعبا على الولايات المتحدة أن تقنع حلف الناتو، بعد رفض طالبان الامتثال، بشن حرب استهدفت قادة القاعدة المسؤولين عن هجمات 11 سبتمبر، وفي غضون أسابيع، سيطرت قوات حلف الناتو على البلاد. ولكن كل هذا لم يرسم نهاية للحرب. على مدى عشرين عاما واجهت القوات الأميركية حرب استنزاف واعتداءات متصاعدة وهجمات لا تنتهي.
بوصول باراك أوباما للبيت الأبيض عام 2009 تغير الموقف تماما، حيث دفع بثلاثين ألف جندي إلى المواقع الساخنة في أفغانستان، ومكنه ذلك من فرض السيطرة على الأرض. وبعد عشر سنوات من بدء الحرب حققت واشنطن ما قالت إنه الهدف الرئيس في حربها على الإرهاب؛ قتل بن لادن.
استغل أوباما فرحة الأميركيين بقتل بن لادن، ليأخذ قرارا بسحب القوات الإضافية. القصة بعد ذلك معروفة للجميع؛ وصول دونالد ترامب للبيت الأبيض رافقه تصعيد في التدخل العسكري الأميركي.
احتاج الأمر لـ17 عاما من الحرب والمواجهات، استطاعت خلالها طالبان فرض سيطرتها على أكثر من 60 في المئة من كامل البلاد، لتقتنع واشنطن بضرورة التفاوض مع طالبان لوضع حدّ للنزيف.
وفي اتفاق تاريخي، وافق ممثلو واشنطن وطالبان على انسحاب كامل محتمل للقوات الأميركية بحلول 1 مايو 2021. وأعلن ترامب أن طالبان قدمت "تعهّدا قويا جدا". لكن المحادثات بين طالبان والحكومة الأفغانية استمرت دون نجاح.
ورغم أن الرئيس الحالي جو بايدن كان نائبا للرئيس أوباما حينها، إلا أنه كان أيضا من أكبر القائلين بأن النصر في أفغانستان لن يتحقق بالحرب.
ولهذا لم يفاجأ الأميركيون بقول بايدن في خطاب له "أنا الآن رابع رئيس أميركي يتولى الإدارة مع وجود عسكري أميركي في أفغانستان. لن أسلّم هذه المسؤولية (الانسحاب) إلى رئيس خامس".
هناك من يقول إن الولايات المتحدة لم تدخل أفغانستان لتكسب حربا. وما الحديث عن كسب الحرب إلا خدعة للتغطية على الأهداف الحقيقية. الحرب لا تكسب بتدمير جيش عدو واحتلال العواصم. والسياسيون الأميركيون أكثر من يعرف ذلك.
ورثة أفغانستان ينتظرون خروجهم لسد الفراغ ورثة أفغانستان ينتظرون خروجهم لسد الفراغ
لم يكن الهدف منذ البداية تحقيق النصر على طالبان واحتلال كابول، بل زرع الفوضى. وفي هذا نجحت الولايات المتحدة نجاحا يمكن وصفه بالمنقطع النظير.
الهدف الآخر الذي لم يعلن عنه من وراء دخول الولايات المتحدة أفغانستان هو توريط قوى أخرى تصنفها واشنطن بالمعادية، أو بالمنافسة لدخول المستنقع والوقوع في فخ "مقبرة الإمبراطوريات".
من هم ورثة أفغانستان الذين ينتظرون الانسحاب الأميركي ليسارعوا إلى سد الفراغ؟
المحللون يرجحون أن تكون باكستان الرابح الأكبر، وهي أيضا الخيار الأفضل بالنسبة إلى الولايات المتحدة.
لم تكن باكستان على قناعة بـ"الكروسيد" الأميركي، ودخلت الحرب مترددة في عام 2002، وحرصت على الإبقاء على شعرة تربطها بحركة طالبان، وهناك من يقول إنها سلاسل. ولم تنقطع الاتصالات بين إسلام آباد والقبائل الحدودية طوال تلك الفترة، وظلت باكستان ملاذا لأسامة بن لادن.
ثلاثة عوامل تدعم إسلام آباد وتجعلها صاحبة الأوراق الأقوى؛ الحدود الطويلة بين الجانبين، دور الاستخبارات الباكستانية (ISI) الداعم لطالبان منذ السبعينات وحتى اليوم، إلى جانب حاجة الغرب والولايات المتحدة لإسلام آباد في مرحلة ما بعد الانسحاب.
"مقبرة الإمبراطوريات" تعود اليوم لتذكر روسيا قبل الغرب بأن الاحتلال العسكري لا يشتري الانتصارات، ما لم تكن هناك تحالفات داخلية مرفوقة بجهود دبلوماسية.
اليوم طالبان تخرج منتصرة فوق أشلاء الحكومة المركزية في كابل، وهي حتى إن لم تحتل الموقع القيادي الذي كانت فيه قبل الغزو عام 2001، ستبقى القوة المسلحة الأكبر على الأرض، ولن يمنعها أحد من الهيمنة على جنوب البلاد.
هناك تقاطع يجمع بين الولايات المتحدة وطالبان هو محاربة داعش، وضمان تفاهم يتيح وصول المساعدات الإنسانية لأفغانستان، حتى في المناطق التي تسيطر عليها الحركة.
آخر ما تريده إسلام آباد هو انهيار أفغانستان وما قد ينجم عن ذلك من فوضى تمتد إلى حدودها، وبالتالي ستستخدم نفوذها داخل الحركة لضمان مصالح الاثنين.
باكستان قد تتعاون أيضا مع واشنطن مقابل مساعدات وعلاقة عسكرية واستخباراتية تقدمها لها.
الدول الغربية ستحاول أيضا توطيد علاقتها مع باكستان خصوصا في الجانب الاستخباراتي، لمنع خطط إرهابية تحاك في أفغانستان لضرب الغرب، كالتي رصدتها ألمانيا العام الماضي.
بعد عشرين عاما من دخولها أفغانستان، وبعد حرب "عبثية" بلغت كلفتها 2.4 تريليون دولار وشهدت مقتل أكثر من 2300 جندي أميركي، ماذا حققت الولايات المتحدة
في هذه الظروف تتهيأ باكستان لحصد مكاسب تحالفها قديم العهد مع طالبان، الطرف الأقوى في الداخل الأفغاني، بعد الانسحاب الأميركي، وكشريك ضروري جغرافيا واستخباراتيا للغرب بعد الخروج من "مقبرة الإمبراطوريات".
تساؤلات كثيرة تطرح حول الشكل الذي سيكون عليه الشرق الأوسط، بعد تراجع سطوة الولايات المتحدة. وعن قدرة القوى والأقطاب الدولية المنافسة لواشنطن في لعب دور فاعل وملء فراغ القوى العالمية الأولى.
يكاد المحللون والخبراء يجمعون على أن التغلغل الأميركي في الشرق الأوسط لم يكن في النهاية مفيدا للولايات المتحدة، وينتظرون من القوى الدولية الأخرى "أن تتعلم من التجربة الأميركية، أو تخاطر بتكرار التجربة على مسؤوليتها الخاصة".
الكاتب الأميركي كريستوفر موت المختص في العلاقات الدولية ومؤلف كتاب "إمبراطورية بلا شكل: تاريخ قصير للدبلوماسية والحرب في آسيا الوسطى"، يقول إن "الشرق الأوسط ليس جائزة كي نخشى انتزاعها من قبل الآخرين، بل هي عبء يجب أن نهديه لأسوأ أعدائنا".
الإوزة التي كانت تبيض الذهب تحولت اليوم إلى مستنقع يجب الخروج منه بأقل الخسائر.
للحفاظ على هيمنتها على المنطقة استغلت الولايات المتحدة الاتحاد السوفييتي، وضخّمت من التهديد الذي يشكله على دول المنطقة، خاصة دول الخليج النفطية خلال الحرب الباردة.
المخاوف التي روج لها حملت الكثير من المبالغة. وفق كريستوفر "لا يمكن للصين ولا روسيا تجنب القوى الطائفية التي أقلقت وأفسدت الدور الأميركي الأخير، كما أن جيوشهما أقل قدرة على شن حرب احتلال، من المنطقي أن نرحّب بالخصوم الذين ورثوا عدم الاستقرار والصراعات والمظالم".
ويكاد كريستوفر أن يجزم بأن الروس والصينيين "بعد أن شهدوا تجربة تدخل واشنطن في المنطقة في العقود الأخيرة، سوف يختارون الانسحاب والتركيز بدلا من ذلك على الاقتصاد".
هناك عوامل ثلاثة ستحدد السياسة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط مستقبلا. الأول تناقص أهمية النفط. والثاني، أن إسرائيل لم تعد دولة منبوذة، بل تحولت إلى دولة يطلب التقرب منها. أما العامل الثالث، فتدركه روسيا والصين كما تدركه الولايات المتحدة، من يمتلك تكنولوجيا المعلومات يمتلك العالم.
علي قاسم
كاتب سوري مقيم في تونس

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه