أجسادنا أذكى منا

بقلم إبراهيم الجبين تشرين2/نوفمبر 26, 2021 219

أجسادنا أذكى منا

لقد فعلنا ما فعله شركاؤنا من بقية الأحياء على الأرض، تقلّصنا وتكيّفنا.

الجسد وعاء مؤقت

الروحانيات تقول العكس، وتكيل إلى الجسد اتهامات وتشكك في أسبقيته، مفترضة أنه وعاء مؤقت، وأن البداية كانت من خارجه، ثم جيئ به ليكون مجرّد جسر بين زمنين.

وقد كُتب الكثير على مرّ العصور عن الجسد البشري وتهادت صلة الناس به بين عداء شديد ينسبه إلى عالم اللعنات، كحال الذين قدموا لنا فكرة التضحية به، سواء من أجل الخير أو من أجل إبعاد الشر، بالطقوس الملعونة أو بما صار يعرف بالاستشهاد، الانتحار، سمّه ما شئت، وبين من أفنى عمره وهو يحاول جعله ينطق بعد أن نحته من الصخر كما في حالة مايكل أنجلو.

في المناطق التي تسير في تطورها بشكل طبيعي، دون تدخّل الإنسان، تقع الأمثولات الكبرى؛ الصحارى النائية، ومجاهل الغابات، وقد قرأت منتصف هذا الشهر عن حالة مدهشة انتبه إليها العلماء وأعلنتها “ساينس أدفانسيز”، تجري الآن على قدم وساق في غابات الأمازون.

هناك قام علماء جامعة لويزيانا بدراسة الكيفية التي عالجت بها الطيور الملونة الفاتنة موضوع التغيّر المناخي على مدى أربعين عامًا من رصد البيانات حول 15 ألف طائر، وكانت محصلتها أن طيور الأمازون تأثرت بالفعل بتقلبات المناخ والاحتباس الحراري، باختصار بآثار البشرية على الكوكب، وأن تلك التأثيرات لم تقتصر على انخفاض أعداد الطيور وحسب، بل إن ما تبقى منها غيّر مواصفاته الجسدية كي ينجو.

العالم البيئي فايتك جيرينك يقول إنه على مدى عدة أجيال أصبحت أجسام الطيور في غابات الأمازون المطيرة أصغر حجمًا، أما أجنحتها فقد أصبحت أكثر طولًا. تقلصت أجسام تلك الطيور عما كانت عليه في ثمانينات القرن الماضي، وباتت تخسر حوالي 2 في المئة من وزنها كل عشر سنين، واستطالت سيقانها وظهر الاختلاف بين تلك التي تعيش على مقربة من الأرض، في مناخ رطب، وتلك التي تحيا في أعالي الأشجار حيث الحرارة أشدّ.

أما في الغابة الكبرى، غابة الإنسان، حيث المجتمعات البشرية، فلا تسل عن ذكاء الجسد، ذاك الذي لا نراقبه إلا من باب الوصيّ عليه، دون أن نتعلم منه، ومن غير أن نترك له المجال كي يُلهمنا. ويكفيك أن تنظر إلى معايير البشر الجسمانية المتحولة منذ زمن الأبيض والأسود في السينما وحتى اليوم، لتعرف كم قاومت أجسادنا ما فعلناه بالكوكب. قارن بين العملاق شون كونري وبين دانيال كريغ في شخصية العميل 007 “جيمس بوند” الذي لم يكتف القائمون عليه بتغيير مواصفاته، بل قاموا بقتله نهائياً في الجزء الأخير، ولا تقل إن السينما ليست مقياساً وحدها، انظر إلى الألعاب الأولمبية وعالم الأزياء والسياسة والجيوش وقارن بنفسك.

لقد فعلنا ما فعله شركاؤنا من بقية الأحياء على الأرض، تقلّصنا وتكيّفنا. والله وحده والعلماء يعرفون ماذا تغيّر أيضاً في ذاك الفضاء المجهول خلف جلودنا.

إبراهيم الجبين

كاتب سوري

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه