آه لو بعت وجهي

بقلم حكيم مرزوقي تشرين2/نوفمبر 30, 2021 332

آه لو بعت وجهي

..

قُدّر لنا أن نتعايش مع هذا الفايروس المزمن دون أمل في التعافي عبر غريزة القطيع أو غيرها، لكنّ هناك من “المزمن” في الكشوفات العلمية، ما قد يكون مبهجا ومدعاة للتفاؤل.

سأحتفظ بوجهي نضيرا دون آثار السنين

نعم، قُدّر لنا أن نتعايش مع هذا الفايروس المزمن دون أمل في التعافي عبر غريزة القطيع أو غيرها، لكنّ هناك من “المزمن” في الكشوفات العلمية، ما قد يكون مبهجا ومدعاة للتفاؤل، فلقد أعلنت شركة أميركية متخصصة في بيع الروبوتات، حاجتها إلى شخص “شجاع” تشتري حقوق ملامح وجهه لاستخدامها في الأجهزة الخاصة بالشركة، والتي تتميز بملامحها القريبة من ملامح البشر، وستعمل في الفنادق والمراكز التجارية والمطارات بحلول عام 2023، فهل تقبل ببيع وجهك مقابل 200 ألف دولار؟

طبعا، أقبل.. أعيش حياة أطول من عمري، لا يهمني كورونا ولا أيدز، وأبتسم في وجوه الملايين من البشر، وإن كنت سأحرم من نعمة النوم والاختلاء بنفسي.

ليس هناك أروع من أن تلاطف الحسناوات، وتلبي وتسهر على احتياجاتهن، ثم إن وجهك الجديد لن تزوره التجاعيد، ولن يعرف التقاطيب ولا الدموع.

سأحتفظ بوجهي نضيرا دون آثار السنين، وخاليا من تلك الانفعالات التي تداهمه عند كل لحظة تأمل أو شرود.. وستحفظ ملامحي الملايين، في نجومية لا تتطلب أي مجهود فردي غير ما يلقنني إياه المبرمجون في الشركة التي تبنتني.. عفوا “اشترت وجهي”.

سوف أتحدث لغات غير تلك التي أستخدمها في الأحلام والكوابيس والخناقات واللحظات الحميمية، وسوف أموت ويبقى وجهي شاخصا ومبتسما في المطارات والفنادق والمولات التجارية.

سوف أبقى دون قبلات ومشروبات ومأكولات.. وربما دون نظارات وقراءات وكتابات.. لا.. لن أقبل بالمئتي ألف دولار، حتى وإن فنيت من الجوع.

سأحتفظ بوجهي لي وحدي، أحلق شعر ذقنه، أغسله وأنشفه، وأحتفظ بمائه دون أن يسبقني إليه أحد.

لتذهب الـ200 ألف دولار إلى الجحيم، وإن كنت سأجبر على ملاطفة السمجين ومغازلة الحيزبونات والابتسام في وجوه الغلاظ من كل الجنسيات.

المشكلة أن هذه الشركة الأميركية الماكرة لا تقبل باستئجار وجهك لأيام قليلة مقابل حفنة من الدولارات بل بشرائه مرة واحدة، وإلى الأبد.. اللعنة عليهم.

كيف لي أن أقبّل أبنائي بوجه ليس لي، وملامح لا تخصني؟ ثم إني لا أحب مراكز التسوق، ولا العمل في استقبال نزلاء الفنادق.. أنا لا أطيق المجاملات، ولا أجيد الابتسامات المتصنعة.

لكني خسرت مئتي ألف دولار يا إلهي.. يا لهول هذه الكارثة التي لن تسامحني عليها عائلتي أبدا.

هذه الشركة اللعينة تريد أن تشتري لطفي وابتسامتي، لكنها لا تودّ أن تشتري عبوسي وغضبي، حزني وأوجاعي.. مهلا، لدي فكرة.. لماذا لا تشترون وجوه أحبتي الذين غادروا، وتبقى المئتا ألف دولار صدقة جارية؟

لا، إنهم لا يريدون.. لقد تأكدت من ذلك بعد مراسلتهم على الموقع الذي نشروه في طلب عرضهم الملعون هذا.. أصارحكم القول إني نادم لركوبي رأسي، لكنني منشرح لاحتفاظي بوجهي للأحبة وحدهم.

حكيم مرزوقي

كاتب تونسي

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه