أربعة أيام في بيروت..أم بغداد؟
د. فاتح عبدالسلام
اذا صدّق الأمين العام للأمم المتحدة غوتيريتش ما سمعه من الزعماء الذين يتصدرون الرئاسات الثلاث في لبنان في انهم تعهدوا له
إجراء انتخابات تشريعية “حرّة ومنصفة” في مطلع مايو المقبل، فإنّ الرجل يكون قد دخل في المتاهة من جديد التي رآها الرئيس الفرنسي ماكرون عياناً بعد انفجار المرفأ وفرّ بذكاء منها، رامياً الكرة في الملعب الدولي.. أوالخليجي .
الوضع اللبناني شبيه بالوضع العراقي، لا يمكن ان تكون الانتخابات المبكرة او المتأخرة حلاً انقاذياً في مجتمعات منقسمة طائفياً ومستهلكة لشعارات وطنية زائفة. في العراق ينحدر البلد نحو ازمة جديدة لم تكن موجودة قبل ما يسمى انتخابات مبكرة، وفي لبنان لن تفرز اية انتخابات سوى تغطية جديدة على الازمات التي تكبر وتنتعش من ظهور وجوه شبه جديدة مرتبطة بالرؤوس القيادية الأبدية المُوجّهة عن بُعد.
من الممكن بعد الدعم الملياري الجديد الذي أعلنه حاكم مصرف لبنان، والذي قد يصل الى خمسة عشر مليار دولار ان تتعافى الليرة اللبنانية نسبياً وتدور عجلة الاقتصاد لبعض الوقت، وربّما لغاية استنزاف هذه المليارات المتدفقة كقروض وودائع ومنح وتبرعات، ومن ثمّ تعود الأمور الى مجاريها الفاسدة. انها هدنة مع الانهيار الاقتصادي تصب لصالح الهياكل السياسية غير القابلة للتحوّر وطنياً، وهذا يعني انَّ الانقسام مستمر على مصير البلد واستقراره المعيشي.
من حق زعيم المؤسسة الدولية المعتادة في الازمات والحروب على الاعراب عن القلق فحسب، ان يطلق حزمة أمنيات في زيارته الى بيروت، ورأيناه في الحوار الذي اجراه معه الصحافي اللامع علي بردى يقول بتمنٍ انّ
لبنان يحتاج إلى إصلاحات عميقة، وأن يكون بلداً بلا فساد، وأن يتحّول «حزب الله» إلى حزب سياسي مثل سواه من القوى السياسية.
وما أحلى المشهد لو انّ غوتيرتيش ينعطف بعد بيروت الى بغداد ليكرر إطلاق الامنيات الجميلة في تصفية البلاد من الفساد وإلغاء المليشيات لصالح جيش وشرطة فقط.
زيارة طويلة جدا يقضيها الأمين العام في لبنان، الذي هو ليس وحيداً في انهيار العملة الوطنية، إذ سبقه الى ذلك العراق وسوريا وايران من دون أن ترف جفون الأمم المتحدة، لذلك توحي هذه الزيارة بأحد أمرين لا ثالث لهما، إمّا انّ الأمم المتحدة باتت مؤسسة تخلو من اية قضية دولية خطيرة وانَّ علامات البطالة فيها اكبر بكثير من وجود حياة حقيقية لعمل مجد يخص مستقبل الكوكب، أو انَّ لبنان بوضعه السياسي الهجين اصبح مركز الكون، وبات يستحق صرف أربعة أيام من وقت المنظمة الدولية، ليس من اجل شيء سوى اطلاق الأمنيات الجميلة… المستحيلة .
رئيس التحرير-الطبعة الدولية
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.