أخطاء فادحة للقادة الأكراد في سوريا

بقلم جوان ديبو كانون2/يناير 17, 2022 135

أخطاء فادحة للقادة الأكراد في سوريا

في أعقاب كل تهديد تركي وما يستتبعه من قضم للأراضي التي تسيطر عليها قسد يطفو على السطح الخطاب القديم – الجديد وقوامه النحيب وندب الحظ العاثر وإلقاء اللوم على الأصدقاء المفترضين.

المأزق الكردي الطافح

منذ 2011 وإلى الوقت الحاضر كُلَّما حلت النوائب بالأكراد في سوريا، انبرى قادتهم على غرار الأسلاف ملقين باللائمة في ذلك على الآخرين ومبرئين أنفسهم من تبعات وتداعيات الأخطاء الفادحة التي اقترفوها والتي يدفع ثمنها الباهظ الشعب الكردي في سوريا.

تميزت مسيرة الأكراد في سوريا، خلال الأزمة السورية منذ 2011 وإلى الآن، بالصعود ثم المراوحة في المكان وأخيرا الانحدار. القادة الأكراد في سوريا وخارجها يتحملون الوزر الأكبر في ما آلت إليه الأوضاع في كردستان سوريا في ما يتعلق بالقراءات السياسية الخاطئة وتأليب الآخرين، غير المبرر وغير الضروري ضد الطموحات الكردية إرضاء للنزعات والنزوات الأيديولوجية المقيتة، والتعويل الوهمي على “الأصدقاء المفترضين”، وهيمنة حالة التشرذم الداخلية، وعدم استيعاب تعقيدات اللعبة الدولية والإقليمية الجارية باطراد على الحلبة السورية.

منذ اندلاع الشرارة الأولى للأزمة السورية في ربيع 2011، لعب الأكراد دورا محوريا في سياق ما سمي “بالربيع السوري”. وتراءى للكثيرين بأن الفرصة التي سنحت لهم لانتزاع الحقوق كانت تاريخية واستثنائية بكافة المعايير. فمن ناحية أولى، ولأول مرة في التاريخ الحديث والمعاصر، تم تدويل المسألة الكردية في سوريا، وإن كان ذلك على نطاق جزئي ونسبي وخاضع لمبدأ الانتقائية، بعد أن بقيت هذه المسألة لعقود من الزمان طي النسيان والتهميش.

ومن ناحية ثانية، تحول الأكراد إلى لاعبين أساسيين على الأرض نظرا لدورهم الرئيسي في محاربة تنظيم داعش وتقويض معاقله. وباتوا أقرب شركاء الولايات المتحدة في عمليات اجتثاث تنظيم الدولة الإسلامية والقضاء على فلوله.

وأخيرا توجت هذه الفرصة بإعلان حزب الاتحاد الديمقراطي التابع لحزب العمال الكردستاني – تركيا، عن الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا سنة 2013 والتي شملت أكثر من ثلث مساحة سوريا البالغة 185 ألف كلم مربع، وذلك بواسطة جناحه المسلح المتمثل في قوات حماية الشعب التي تشكل نواة قوات سوريا الديمقراطية.

لكن سرعان ما أعقب هذا المد الكردي الجارف انحسار تدريجي تزامنا مع مسلسل الاجتياحات التركية المتعاقبة لمدينة عفرين في محافظة حلب في مارس 2018 ولمدينتي تل أبيض في محافظة الرقة ورأس العين في محافظة الحسكة في أكتوبر 2019.

ربما الأمل الوحيد الذي يعول عليه الأكراد لصون مكتسباتهم المهددة بالزوال يتمثل في الوجود العسكري الأميركي الرمزي في مناطقهم

وفي أعقاب كل تهديد وغزو تركي جديد وما يستتبعه من قضم للأراضي التي تسيطر عليها قسد، يطفو على السطح الخطاب الكردي القديم – الجديد، وقوامه النحيب، والبكاء على الأطلال، وندب الحظ العاثر، وإلقاء اللوم على الأصدقاء المفترضين، واتهامهم بالغدر والخيانة، والتنصل من التزاماتهم الأخلاقية، واستحضار مقولة لا أصدقاء للأكراد سوى الجبال، علما أنه لا جبال في كردستان سوريا للاحتماء والاستقواء بها، وبأن الأكراد ضحايا لعنة الجغرافيا والأحلاف والمصالح وما إلى ذلك من هذا الكلام الإنشائي الرتيب الذي لا يرضي سوى نوازع العقل السياسي الكردي العليل.       

كل هذه المغالاة في إلقاء اللوم على الآخرين تجري دون أي التفاتة جدية إلى مسؤولية القادة الأكراد في ما يتعلق بالقراءات السياسية المبتورة وتبني القرارات الخاطئة في التعويل الوهمي على الآخرين. والتحول إلى أدوات لتنفيذ أجندات اللاعبين الكبار دون الحصول على ضمانات واضحة وكافية توازي حجم التضحيات الجسام التي قدمها الأكراد في سوريا قربانا على مذبح محاربة الإرهاب الأصولي وتقويض أركانه.

من الأخطاء الجسيمة التي ارتكبها حزب الاتحاد الديمقراطي بالتزامن مع إعلان “الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا” عام 2013، وبإيعاز وإشراف مباشر من صقور “ب ك ك” (حزب العمال الكردستاني) في جبال قنديل، كان تحويل كردستان سوريا إلى ساحة تجييش واستقطاب إعلامية وسياسية وأيديولوجية ضد تركيا التي تعاني بالأساس من الفوبيا الكردية منذ ما يقارب المئة عام، والتي أدمنت على محاربة كل ما يتراءى لها بأنه محاولة انعتاق كردية حتى لو كان ذلك على كوكب المريخ كما قال ذلك ذات مرة رئيس الوزراء التركي الأسبق بولند أجاويد. فكيف الحال إذا كانت تجليات هذه المحاولة منبثقة من حزب العمال الكردستاني أو فروعه المتناثرة في أجزاء كردستان المبعثرة.

على سبيل المثال لا الحصر، ملأت صور زعيم “ب ك ك”، عبدالله أوجلان، المعتقل لدى تركيا منذ سنة 1999، مداخل ومخارج المدن والبلدات التي حررتها قسد من داعش، بما في ذلك المدن ذات الأغلبية العربية مثل الرقة وغيرها. وكان في ذلك تحد صارخ لتركيا وحافز لتحريك رغباتها الدفينة في الانقضاض على الأكراد وتقويض ما أنجزوه، لا بل وحتى قتل أحلامهم وحرمانهم من الحياة. وكأن “ب ك ك” قد وجد ضالته في نقل صراعه مع الدولة التركية إلى كردستان سوريا وقبلها إلى كردستان العراق بعد أن أخفق في تحقيق أي من أهدافه داخل كردستان تركيا. ولم يكترث بما قد يتعرض له الأكراد في هذين الجزأين من ويلات ومحن جراء تعرضهم للانتقام من قبل تركيا.

الخطأ الثاني تمثل في ارتماء قيادة حزب الاتحاد الديمقراطي وقسد في الحضن الأميركي دون مقابل مجز أو ضمانات تقيهم من شرور تركيا أو روسيا وإيران والنظام السوري. هذا الاتكال الأعمى على الأميركان والركون لإرادتهم ومخططاتهم جرى على أساس قبول حزب الاتحاد الديمقراطي وقسد في التعامل مع واشنطن من منظور ومنطلق عسكري وأمني محض، وكطرف يعمل تحت الطلب مقابل الدعم العسكري والمالي، وليس من منطلق سياسي كممثل للمكون الكردي أو لجميع مكونات المنطقة. وهذا ما يفسر إلى حد ما عدم تجاوب واشنطن بخصوص استثناء المناطق التي تسيطر عليها قسد من عواقب قانون قيصر. كذلك هذا ما يفسر عدم مساهمة واشنطن والغرب عموما للتخفيف من أعباء الأزمة الاقتصادية والمعيشية الخانقة التي يكابدها القاطنون في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.

تحول الأكراد إلى لاعبين أساسيين على الأرض نظرا لدورهم الرئيسي في محاربة تنظيم داعش وتقويض معاقله. وباتوا أقرب شركاء الولايات المتحدة في عمليات اجتثاث تنظيم الدولة الإسلامية

وفي هذا السياق، لا يمكن التغافل عن وباء الشقاق المزمن الذي أدمنه الأكراد في كردستان سوريا أسوة بأشقائهم في باقي أجزاء كردستان. هذا الوباء الذي ساهم بقوة في استفحال سوداوية الحاضر الكردي والعتمة التي تلقي بظلالها القاتمة على مستقبله، والذي وصفه جوناثان راندل في كتابه عن الأكراد والمعنون “أمة في شقاق” بصبغية (كروموزم) شاذة في جينات الأكراد والتي تسبب النزعات الانقسامية.

فالإدارة الذاتية يقودها حزب الاتحاد الديمقراطي الذي يعتبر فرع “ب ك ك” في سوريا، بينما غريمه اللدود، المجلس الوطني الكردي والتابع للحزب الديمقراطي الكردستاني في كردستان العراق، فهو منضو تحت كنف الائتلاف السوري الموالي لتركيا. هذا الائتلاف الذي يعادي ويحارب حقوق الأكراد جهارا نهارا.

ومنذ أكثر من سنتين يحاول الأميركان إصلاح ذات البين بين الأخوة – الأعداء في كردستان سوريا بغية بلورة مرجعية سياسية وإدارية شاملة لأكراد سوريا، لكن دون طائل، بالإضافة إلى ملفات سوء الإدارة والفساد المالي والإداري المستفحل في مفاصل وهيئات الإدارة الذاتية في وقت لا تستطيع فيه هذه الإدارة تقديم الحد الأدنى من الخدمات الرئيسية لمواطنيها.

ساهمت السياسات المشار إليها آنفا التي انتهجها بعض القادة الأكراد داخل وخارج سوريا في الإسراع إلى ما توصلت إليه الحالة الكردية في سوريا من انسداد في السياسة والإدارة والأفق. فالمخاطر باتت تحدق بالأكراد كقضية ووجود من كل صوب وحدب، حتى أصبحوا منحشرين بين المطرقة التركية المتأهبة دائما للانقضاض عليهم وبين سندان روسيا وإيران ونظام الأسد.

ربما الأمل الوحيد الذي يعول عليه الأكراد لصون مكتسباتهم المهددة بالزوال يتمثل في الوجود العسكري الأميركي الرمزي في مناطقهم. هذا الوجود الذي قد يتحول بين ليلة وضحاها إلى أطلال وذكريات استنادا إلى طبيعة السياسات البراغماتية للولايات المتحدة المبنية على المصالح وإبرام الصفقات فقط، والنائية جدا عن الاعتبارات الإنسانية والأخلاقية.

لكن تبقى مسؤولية القادة والساسة الأكراد، سواء داخل أو خارج كردستان سوريا، في نضوج وتبلور العوامل الخارجية كمعوقات تحول دون تحقيق الأماني القومية والوطنية الكردية، هي الأس والجذر في ولادة اليأس والجمود والمأزق الكردي الطافح. وكل الخوف من أن يتحول هذا اليأس والجمود والمأزق شيئا فشيئا إلى انتكاسة كردية جديدة تضاف إلى سلسلة الانتكاسات التي يتخم بها التاريخ الكردي القريب والبعيد. والسبب الجوهري في ذلك يكمن في تلك السياسات غير العقلانية وغير الواقعية التي تبناها القادة الأكراد خلال الأزمة السورية، هذه السياسات التي قلصت خيارات الأكراد المحدودة والمعدودة أصلا وضاعفت من خيارات مناوئيهم.

جوان ديبو

كاتب سوري كردي

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه