"أسبوع العمل القصير".. فيلم عربي طويل

بقلم حكيم مرزوقي كانون2/يناير 25, 2022 370

"أسبوع العمل القصير".. فيلم عربي طويل

 

معدل وقت العمل الفعلي للموظف التونسي الذي يمارس فيه مهامه لا يتجاوز 8 دقائق في اليوم وفق دراسة أجرتها الجمعية التونسية لمكافحة الفساد وهو بالطبع معدل دون المستويات العالمية.

دوامة لا تنتهي

العمل لوقت أقصر وبإنتاج أكثر مع راتب أوفر.. حلم يشترك فيه العمّال مع أرباب العمل على حد سواء، وهو ما يحيل إلى مفهوم الإنتاجية كمؤشر شامل لتطوير المجتمع ومفتاح أساسي من مفاتيح التنمية والتقدم.

ويبدو أن هذا “الحلم” قد بدأ يتحقق مطلع هذا العام مع ما بات يعرف بـ”أسبوع العمل القصير” المتمثل في تبني تجربة العمل لمدة 4 أيام أسبوعيا كما هو الحال في المملكة المتحدة التي وافقت فيها ثلاثون شركة على هذا النظام الذي يتم فيه خفض عدد ساعات العمل إلى 32 ساعة أسبوعيا فقط، دون المساس بالأجور والمكافآت التي يحصل عليها العمال، ومن الممكن أن تطلب الشركات من العمال توزيع ساعات العمل الأسبوعية على 5 أيام بدلا من 4 أيام.

وتجدر الإشارة إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة قد بادرت إلى تحديد أيام وساعات العمل الرسمية بالوزارات والجهات الاتحادية للعام 2022 لتكون من 7:30 صباحا إلى 3:30 بعد الظهر من الاثنين وإلى غاية الخميس، وساعات العمل يوم الجمعة تكون من الساعة 7:30 صباحا إلى 12 ظهرا.

وبدأت الفكرة تحظى باهتمام عالمي كبير، وتحديدا في الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية مثل بريطانيا التي تم فيها تبني حملة “أسبوع عمل 4 أيام العالمية”. وقال جو ريلي مدير الحملة إن الانتقال إلى نظام العمل 4 أيام أسبوعيا سيكون مفيدا للشركات والعمال.

هذا عن المؤشرات الإيجابية في تبني هذه التجربة التي، وبالإضافة إلى أهميتها في تحسين الإنتاجية، تعود بالفائدة على البيئة؛ تزيد من الترابط الأسري والمجتمعي وتعزز المساواة بين الرجل والمرأة كما يقول الأخصائيون في الموارد البشرية.

أمّا عن جوانبها السلبية فلا يمكن رصدها بوضوح إلا في مثل مجتمعاتنا العربية وبقية ما يعرف بالدول النامية، وذلك بحكم المنظومة الثقافية السائدة حول مفهوم العمل، والذهنية الاجتماعية التي من شأنها أن تعرقل الأهداف المرجوة من “أسبوع العمل القصير” لا بل قد تعود هذه التجربة بالوبال على متبنيها وتراكم الأزمات فوق الأزمات.

العامل العربي، وخاصة ذاك الذي لا يمكن له القيام بنشاطه من داخل مكتب وعن بعد، يجيبك عند سؤالك عن سبب تقصيره بطريقة مربكة وقد تبدو مقنعة "أنا أشتغل على قد الراتب"

لننطلق أولا من المعطى الأساسي الذي يضمن نجاح تجربة اختصار ساعات وأيام العمل، وهو مطالبة العمال الذين سيشاركون في هذه التجربة ببذل 100 في المئة من قدراتهم الإنتاجية.. ما النسبة المئوية من القدرات الإنتاجية التي يبذلها عمالنا وموظفونا في القطاعين العام والخاص؟

تجربة العمل 4 أيام في الأسبوع قد تنفع مع مجتمعات تدير أمورها من مكاتب وتعتمد على دول أخرى تقوم بعمليات الإنتاج، ولكن كيف ستتعامل مجتمعاتنا مع هذه التجربة إذا سألنا كم ساعة إنتاج حقيقي يحققها موظف يداوم 5 أيام عمل في دولة عربية؟

لنأخذ بلدا عربيا كتونس على سبيل المثال لا الحصر، فلقد كشفت دراسة أجرتها الجمعية التونسية لمكافحة الفساد، أن معدل وقت العمل الفعلي للموظف التونسي الذي يمارس فيه مهامه لا يتجاوز 8 دقائق في اليوم، ويعتبر معدلا دون المستويات العالمية.

وأشارت الدراسة إلى أن أيام عمل الموظف التونسي لا تتجاوز 105 يوم من أصل 356 يوما، مضيفة أن نسبة غياب الموظفين داخل الإدارة التونسية ارتفعت بنسبة تقدر بـ60 في المئة.

لنتخيل حجم الخسائر الناتجة عن هذه الوضعية الكارثية، ثم نعيد تخيله في حال تطبيق تجربة “أسبوع العمل القصير”.. ما ينطبق على تونس ينطبق الأمر على معظم الدول العربية.

أما عن الفوائد الأسرية والمجتمعية من تقليص حجم أيام العمل فتكاد تكون منعدمة إذا ما اعتبرنا أن “الانشغال بالعمل” هو حل من الحلول وعامل أساسي في “استقرار الأسرة”، ذلك أن المعايشة اليومية تتسبب في المزيد من التباعد بين الزوجين ونشوء المزيد من الخلافات كما تبيّن لنا أيام الحجر أثناء جائحة كورونا، إذ زادت نسبة المشاكل بشكل رهيب، وللأسف الشديد.

وإذا أسلمنا القول بأن أسبوع العمل القصير يمكّن الأفراد في الدول المتقدمة من تنمية مواهبهم وتطوير مهاراتهم وخبراتهم من الناحية العلمية والعملية، مما يحقق التوازن بين الحياة الشخصية ومتطلبات العمل، فإن العمل في معظم البلدان النامية “ينهى عن الفحشاء والمنكر”، فأي مرافق وأي مجالات سوف يتجه لها العمال بعد أسبوع عملهم القصير غير الجلوس في المقاهي والتفرغ للأفكار السوداء.

هذا إذا افترضنا وجود سوق عمل نشطة يمكن الحديث فيها عن تخفيض الساعات والأيام، لكن الواقع يقول عكس ذلك فالأجدر هو إيجاد مواطن شغل لجحافل العاطلين ولو بأقصى الساعات المسموح بها قانونيا بدل تقليصها، فها هي منظمة العمل الدولية في تقريرها الرئيسي لسنة 2022 تخفض توقعاتها بشأن تعافى سوق العمل، محذرة من أن التعافي سيظل بطيئا بسبب انتشار جائحة كورونا. ويقدر مستوى عام 2022 للعاطلين عن العمل بنحو 207 ملايين مقابل 186 مليونا في عام 2019.

ثمة أمر أساسي لا يمكن تغافله في هذه المعادلة التي تبدو صعبة التحقيق عربيا وهو مسألة الأجور المنخفضة في ظل أزمات التضخم وغيرها.

العامل العربي، وخاصة ذاك الذي لا يمكن له القيام بنشاطه من داخل مكتب وعن بعد، يجيبك عند سؤالك عن سبب تقصيره بطريقة مربكة وقد تبدو مقنعة “أنا أشتغل على قد الراتب”.

وهكذا ندخل في دوامة لا تنتهي، ذلك أن الموضوع يتعلق ببنية هيكلية تمس العامل وجهة العمل والمناخات الاجتماعية والثقافية السائدة. ففي تونس مثلا، والتي تتخذ من السبت والأحد عطلة أسبوعية، تسأل عن الموظف في جهة إدارية يوم الجمعة فيقال لك إنه في الصلاة، في حين أنه يشاهد مباراة في المقهى.. وهكذا يتسلح كل موظف بسجادة صلاة أمام مديره دون أن يصلي.

حكيم مرزوقي

كاتب تونسي

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه