"يا رب تجيبها في عينو"
يقول مثل شعبي في تونس "فلانة خانها ذراعها، قالت سحروني" أي أننا نبرر كل هزيمة ونربطها بسوء الطالع وأفعال السحر والأرواح الشريرة.
"الأموات يحكمون ويُحكّمون من خلف القبور" في الكثير من البلدان العربية
مازال قسم كبير في العالم العربي يخوض صراعاته في السياسة والثقافة والاقتصاد، وحتى الرياضة بمنطق "يا رب تجيبها في عينُو" أي أننا نكتفي بالدعاء دون أن نضيف إليه شيئا من العمل والمثابرة.
لم نكتف بإيمان العجائز بل ذهبنا بعيدا نحو عالم الشعوذة عبر استدعاء قوى غيبية من جن وعفاريت أملا في انتصارات تأبى زيارتنا ونطلبها فلا ندركها.
يقول مثل شعبي في تونس "فلانة خانها ذراعها، قالت سحروني" أي أننا نبرر كل هزيمة ونربطها بسوء الطالع وأفعال السحر والأرواح الشريرة، أما الانتصارات، إن وجدت، فهي بفضل جسارتنا ورضاء الله والوالدين.
هكذا تسير الغيبيات لدينا جنبا إلى جنب برفقة منجزات العلم والتكنولوجيا التي حققها العالم المتقدم، كأن لا تخلو سيارة حديثة من تعويذة تعلق فوق المقود، وتُطوّق التمائم رقاب شباب يافع تحت التيشيرتات بل وطالت ذهنية الاستبشار والتطير صفحات مواقع التواصل الاجتماعي في ازدواجية ثقافية عجيبة.
ما من حملة انتخابية لم يزر أصحابها أضرحة الأولياء قصد التبرك، بمن فيهم أدعياء العلمانية والمنادون ببناء الدولة الحديثة. وينسحب ذلك على كل النشاطات البشرية من طالبي الاستشفاء والزواج والترقي الوظيفي والنجاح المدرسي والانتصار الكروي.
"الأموات يحكمون ويُحكّمون من خلف القبور" في الكثير من البلدان العربية، إلى درجة أنه يروى عن رئيس مخفر للشرطة أو "كركون" كما يقال بالعثمانية القديمة، كان يأخذ ويستجرّ المتهمين بالسرقة إلى مقام الولي الصالح بقصد الحلفان حين لا ينفع معهم التحقيق أو الفلقة.. وهكذا تتحقق مقولة "قيل للكذاب احلف فقال جاءني الفرج".
وقيل عن مسؤول كسول في فحص قيادة المركبات ببلد عربي معروف بطيبة أهله أنه كان يقول للمتقدم في امتحان الشهادة "احلف برأس سيدنا فلان أنك تتقن القيادة".. وهكذا يتسبب عن طيب خاطر بالعشرات من الحوادث المرورية.
أما عن كرة القدم التي بدأوا يقولون عنها إنها "أفيون الشعوب" فقد قال مشعوذ جزائري يقيم في فرنسا ضمن مقطع فيديو بثه على مواقع التواصل الاجتماعي إنه بصدد العثور على تذكرة سفر إلى الكاميرون للقيام بما اعتبره "الواجب الوطني"، بعد العقم التهديفي الذي أصاب بطل الدورة الماضية من كأس أمم أفريقيا.
المشكلة أن تداخلا رهيبا وقع بين ما هو شرعي ذي مرجعية دينية، وبين ما هو غيبي يتعلق بالشعوذة، مما يجعل تجارتين تتوحدان في شراكة واحدة، وعندئذ، تحل الكارثة، على شاكلة المشعوذ الذي ادعى أنه راق شرعي وأقدم على إجبار طفل وأخته على شرب 70 لترا من الماء، وانتهت جلسات الرقية المزعومة بوفاة الطفلين، ثم ما لبثت أن تحولت الحادثة إلى قضية وطنية بعدما دخلت أروقة العدالة الجزائرية.
حكيم مرزوقي
كاتب تونسي