ألا تنهض تشرين من جديد ؟
علي ضياء الدين
في أرض السواد يبحث العراقي عن العدالة فلا يجد لا الأرضية التي أوعدتنا بها الإنقلابات العسكرية الدموية ولا السماوية التي بشرنا بها المؤمنون الأتقياء الورعون الموشومة جباههم بالوشم الزائف للزهد والتعفف والوطنية ممن رافقوا المحتل وكانوا أدواته. تبين لا حقاً وبعد فوات الأوان أن تلك الوعود لم تكن إلا مجموعة أكاذيب أطلقها طامحون الى السلطة والمال والجاه ممن حولوا العراق الى حلبة صراعات أكلت الأخضر واليابس وأتلفت كل الفرص المتاحة للنهوض بمستوى معيشة أبناءه وأتت على خيرة عقوله ومواهبه. بلايين الدولارات أهدرتها الأنظمة السابقة إما على تسويق شعارات المعارك المصيرية أو على شراء الذمم. لكن تلك الأنظمة فعلت القليل القليل على الأقل. لقد بنت مدارس وشيدت مستشفيات وفتحت طرقاً وشنت حرباً على الأمية والأمراض المستوطنة لكن ما أنجزته بيد خربته باليد الأخرى وهو ما يفعله الحكام الحمقى عادة. لكن القادمين مع الإحتلال كانوا أشد سوأ وأكثر إيغالاً بالأذى. لقد تصرفوا بمنطق الثأر والغنيمة فأحرقوا كل الفرص المتاحة لإنتشال هذا الوطن والنهوض به من تحت الرماد. لقد عملوا ومنذ اللحظة الأولى على شرعنة السرقة والفساد والتبعية ونشر الثقافة الطائفية التي ما بنت وطناً في يوم ما. ماذا كانت حصيلة عشرين عاماً تقريباً من الهيمنة على السلطات وإمتلاك مفاتيحها؟ لا شيء. لا شيء سوى المزيد من نهب ثروات البلد مع مزيد من الفقر والمرض والأمية والأشد خطراً المزيد من التبعية ليس للكبار فقط بل للصغار أيضاً. خلال عشرين عاماً نهضت دول من العدم وتبوأت الصدارة في قائمة أقوى إقتصاديات العالم. لماذا لم يفعل المؤمنون المجاهدون شيئاً كهذا؟ السبب واضح جداً وبسيط جداً ويمكن تلخيصة بعبارة واحدة تقول: إنه غياب الولاء للوطن. اللصوص لا وطن لهم. لا أحد لديه أدنى إحساس بالإنتماء الى وطن ثم يفعل ما فعله هؤلاء بهذا الوطن. من المستحيل أن يستمر المشهد المخجل للعراقيين الذين ينبشون وهم أمام كاميرات العالم في مكبات النفايات بحثاً عن كسرة خبز أو بقايا طعام بينما بلدهم هو من أغنى بلدان العالم. ألا يحتاج العراق والوضع هكذا الى تشرين تنهض من جديد عساها ترسم ولو ظل إبتسامة واعدة على شفاه الملايين الغارقة في بؤسها؟.