أربيل والذين اختاروا المهانة لأنفسهم وللعراق

بقلم علي الصراف آذار/مارس 15, 2022 172

أربيل والذين اختاروا المهانة لأنفسهم وللعراق

مراجعة سجلّ الأذية التي دأب بعض القادة الأكراد على ممارستها ضد العراق سوف تقنع الكثيرين بأن فصل هذا الإقليم هو الحل الأنسب لكلا الطرفين وقطع كل أشكال الصلات معه.

لم يتركوا عملا لصالح إيران إلا وعملوه

ما من قيمة يمكن لكردستان العراق أن تنعم بها، إلا في عراق عزيز ومستقل وقوي. ولكن هات مَنْ يفهم.

هذا الكيان إنما يهين نفسه عندما يُهان العراق. وهو يذل نفسه عندما يعمل بعض قادته على إذلال العراق. ولو أنهم جندوا أنفسهم لخدمة كل من يرغبون في خدمته، فإنهم لن يكسبوا أكثر مما يمكن أن يعطيهم العراق.

نحن هنا، إنما نعاني من مشكلة سوء تقدير لا تنتهي، عندما تعمل بعض أركان سلطة كردستان على التواطؤ مع إيران فتعمل كل ما من شأنه أن يُضعف العراق ويهين سيادته ووحدته، ظنا منها أنها يمكن أن تحصل على فوائد.

ولقد كانت صواريخ إيران الـ12 التي تم إطلاقها على أربيل هي جواب إيران على ذلك. إنها جزاؤهم على ما قدموه لها من خدمات.

هذا هو كل ما في الأمر. فأن يتذلل قادة الإقليم لإيران لا يعني أنهم يأمنون الضرب منها. ولو وضعت كل تمنيات الدنيا بأن يفهموا هذه الحقيقة، فإنهم لن يفهموها.

سوء التقدير مشكلة لم يتمكن العراقيون من حلها، حتى بات من الأنسب لاستقرار بلدهم أن يتنازلوا عن المحافظات الثلاث، ولتذهب إلى حيث ألقت رحلها أم قشعم.

يحق لهذا الإقليم أن ينفصل عن العراق. وفي الواقع فإن انفصاله خير لباقي العراق من بقائه مثل مسمار في الحذاء.

إذا كنت تبحث عن تعريف لمصطلح "بوز المهانة" فهو الذي ينضرب بأفعال غيره؛ فعندما لا تجرؤ إيران على ضرب إسرائيل فإنها تضرب "بوز المهانة"

التصعيد العنصري والعدائي الذي يشنه بعض قادة الإقليم ضد العراق يكفي بمفرده للقول لهم “حلوا عن ظهورنا”.

هم لم يفهموا بعد كل هذا العناء، أن المشكلة ليست في العراق ولا معه. المشكلة مع طرفين إقليميين كبيرين هما تركيا وإيران، يعتبران أن وجود كيان كردي مستقل يشكل تهديدا وجوديا لهما. وحيال هذا التهديد، فإنهما يمكن أن يفعلا كل شيء من أجل تدمير تجربة الانفصال.

القصة هي قصة جغرافيا عنيدة. وهي التي تناوئ التطلع الانفصالي، ولا شأن للعراقيين بها. وذلك مما يعني أن سياسات الاستعداء والكراهية التي يمارسها بعض القادة الأكراد ضد العراق “غير ذات صلة” من الأساس. تقول لواحدهم “يا أخي أنا ما عندي مشكلة معك. تريد تنفصل، روح انفصل. مشكلتك مع غيري”. فإذا به يعود ليؤذيك ويصب جام كراهيته عليك، ويذهب ليتواطأ مع إيران وتركيا ضدك، ثم يتذلل لهما ويعمل في خدمة مصالحهما لكي ترضيا عنه. وحتى عندما تقومان بضربه، فإنه يعود بأذاه عليك. فلا تجد من القول إلا: حسبي الله ونعم الوكيل.

ربما أكون واحدا من عراقيين قلائل يدافعون عن انفصال كردستان. إلا أن مراجعة سجل الأذية التي دأب بعض القادة الأكراد على ممارستها ضد العراق سوف تقنع الكثيرين بأن فصل هذا الإقليم من العراق هو الحل الأنسب لكلا الطرفين، بما في ذلك قطع كل أشكال الصلات معه وتطليق الزيجات المختلطة وإقامة جدار فصل عنصري لمدة عشرين سنة على الأقل، حتى يشفى المرض، وحتى يفهم كل من شاء ألا يفهم أن مشكلته ليست مع العراق، وأنه هو من ظل يتصرف كمشكلة للعراق.

ربما يكون من المفيد أكثر أن يتبرع العراق بالإقليم لتركيا. سوف يستفيد أكراد الإقليم من ذلك، بتعلم اللغة التركية وينسوا لغتهم الكردية التي أصبحت لغة رسمية في العراق منذ نصف قرن. وسوف تعطيهم إيران حكما ذاتيا في سجن “إيفين”، وتعامل قادتهم كما عاملت عبدالرحمن قاسملو.

ولو شاء الذين يتعاطون مع إسماعيل قاآني لتقرير مصير حكومة بغداد أن يتبرع العراق بالإقليم لإيران فإن ذلك سيكون مريحا للعراقيين من صداع اسمه حصة كردستان من ميزانية العراق.

هم لم يتركوا عملا لصالح إيران إلا وعملوه. وشاركوا ميليشياتها من أجل أن يغرق العراق بالخراب والفساد. وكانت لهم حصتهم من عائدات الفساد، إلا أن انهيار البلاد تحت سلطة ميليشيات تابعة لإيران كان هو حصتهم الأكبر، فجعلوها تبريرا لدعاوى الانفصال.

تواطأوا مع حكومة نوري المالكي كما تواطأوا مع كل ميليشيات الولي الفقيه، ظنا منهم أنها سوف تساعدهم وتتوسط لهم مع إيران. ولكن عندما جاء القرار كانت هذه الميليشيات هي التي انقضت عليهم وانتزعت منهم كركوك والسيطرة على الحدود بعد تجربة الاستفتاء “الناجحة” على الانفصال.

القادة الأكراد الذين يتواطأون مع إيران على حساب العراق، إنما يهينون أنفسهم عندما يهينون العراق. ويهين عقله من يأمل منهم أن يفعلوا غير ذلك

بعد كل هذه التجربة التي لم يتعلموا منها شيئا زادوا بأن أصبحوا وكلاء لمبعوث الولي الفقيه في الضغط على مقتدى الصدر للقبول بضم الإطار التنسيقي إلى الحكومة المقبلة، لأجل أن تعود لتكون حكومة إيرانية وحكومة محاصصات وفساد من جديد.

فماذا كسبت أربيل من ذلك؟

12 صاروخا باليستيا أطلقت من إيران مباشرة ضدها، لكي تقدم لها الشكر على الخدمات.

ميليشيات إيران ظلت تطلق الصواريخ على مطار أربيل وغيره من المواقع. وذاك البعض لم يفهم مكانته في إيران. حتى انتهى الأمر بأن إيران لم تعد بحاجة إلى ضربه عن طريق وكلاء. فضربته مباشرة.

لعلك تسأل: ما السبب؟ وهل تُجزى الخدمات والتواطؤ بالصفعات؟

قُتل ضابطان إيرانيان كبيران في الحرس الثوري الإيراني بغارة إسرائيلية في إحدى ضواحي دمشق. فردت إيران بتوجيه ضربات ضد أربيل، لا لشيء إلا لأنها في نظر الحرس الثوري “بوز مهانة”.

يستطيع خدم قاآني أن يسألوا إيران: لماذا نتعرض للضرب، من دون أن تكون لنا أي علاقة بذلك الحادث؟

ولكن “بوز المهانة” لا يشترط أن تكون له أي علاقة، بأي شيء. يكفي أنه “بوز مهانة”.

ولكن “شوف البخت”. من ظل يسعى لتدمير العراق والتعرض له بالكراهية والأحقاد انتهى إلى أن أصبح كيس ملاكمة لتنفيس الأحقاد؛ إسرائيل تقتل ضابطين إيرانيين في سوريا، وأربيل تنضرب بدلا من إسرائيل، وتنضرب بدلا من أميركا، وتنضرب بدل أي كان.

إذا كنت تبحث عن تعريف لمصطلح “بوز المهانة” فهو الذي ينضرب بأفعال غيره؛ فعندما لا تجرؤ إيران على ضرب إسرائيل فإنها تضرب “بوز المهانة”. تلك هي المكانة، وهذا هو جزاؤها على ما ظل يتقدم من خدمات.

القادة الأكراد الذين يتواطأون مع إيران على حساب العراق، إنما يهينون أنفسهم عندما يهينون العراق. ويهين عقله من يأمل منهم أن يفعلوا غير ذلك.

أفليس من المنطق والعقل، والحال هذه، أن يقوم العراق بإهداء إقليم كردستان، لتركيا أو إيران؟ هل لك أن تتخيل راحة البال؟

علي الصراف

كاتب عراقي

قيم الموضوع
(1 تصويت)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه