آه.. لو كانوا يعلمون

ثمة أشخاص يعتقدون أن ما يضحكهم يضحك الآخرين بالضرورة، ودون أن يضعوا اعتبارا لتفاوت الأمزجة والتجارب والثقافات فما يعدّ هزليا وكوميديا في الولايات المتحدة قد يبدو تافها وسخيفا في الصين.

التعجب والاستغراب محرضان أساسيان على الضحك

ليس هناك أثقل من الغلاظ والسمجين إذا أرادوا المزاح وجربوا خفة دمهم في الحفلات والمناسبات وعلى مواقع التواصل الاجتماعي.

المشكلة ليست في هؤلاء بل في المحيطين بهم من أصدقاء وأقرباء وغيرهم من المقهقهين والمصفقين والمتفاعلين معهم عبر “اللايكات” والمشاركات.

أتساءل في السر وفي العلن: أليس لهؤلاء أبناء وزوجات وأمهات يقولون لهم “كفاكم غلاظة وسماجة” ويسألونهم الرفق بالناس أم أنهم فقدوا جميعهم “عرق الحياء” كما كانت تقول أمي.

يُخيّل لي أحيانا أن وراء كل سمج من هو أسمج منه. وإذا لم يكن كذلك فهو إما صديقا غبيا في المقهى أو مرؤوسا منافقا في الوظيفة أو حبيبة مغفلة في خريف العمر.. أو في ألطف الأحوال، والدة حنون ترى ابنها غزالا في كل شيء.

ثمة أشخاص يعتقدون أن ما يضحكهم يضحك الآخرين بالضرورة، ودون أن يضعوا اعتبارا لتفاوت الأمزجة والتجارب والثقافات فما يعدّ هزليا وكوميديا في الولايات المتحدة قد يبدو تافها وسخيفا في الصين بل ربما تراجيديا ومدرا للدموع في أدغال أفريقيا وغابات الأمازون.

يضاف إلى ذلك عنصرا الزمن والتطور البشري إذا ما اعتبرنا أن التعجب والاستغراب محرضان أساسيان على الضحك.. وها نحن نعيش في عصر لا يُستغرب ولا يُستهجن فيه أي شيء.

أمّا عن الجو العام فلا يمكن الاستهتار به في موضوع طلب المرح والإضحاك، إذ ليس من اللائق أن تطلق طرفة عن جمال النساء الأوكرانيات وهن تحت القصف وفي عز الأزمة السياسية، كما لا يمكن هضم نكتة عن جائحة كورونا والناس يموتون فرادى وجماعات.

هكذا، وبكل وقاحة الحمقى، يكتب بعض السمجين على صفحاتهم في الفيسبوك آملين في استجداء الضحك وتجميع علامات الإعجاب.

مشكلتي الشخصية أني أبحث “بالسراج والفتيلة”، كما يقال، عن الضحك فلا أجده إلا في ما ندر، وعن طريق الاستعانة ببعض المحرضات أحيانا.. كانت هذه شكواي لصديقي الطبيب النفسي الذي احتار قليلا في أمري ثم سألني: لكنك غالبا ما تبدي تعليقات ضاحكة لدى كل من يعرفك؟

ـ تلك مشكلتي يا دكتور، فأنا دائما ما أستغرب ضحك الجمهور في مسرحياتي، في الوقت الذي لم أكن أتقصد فيه الإضحاك.. ولا يخطر على بالي أصلا، أثناء الكتابة.

همهم صديقي الطبيب قليلا ثم قال لي إنه لن يصف لي حبوبا للضحك طبعا، وإنما نبهني إلى زاوية جديدة ومبتكرة لطلب الضحك، وهي أن أضحك من كل الذين يخالون أنفسهم مضحكين وخفيفي الدم من الغلاظ والسمجين.

بحثت عنهم فوجدتهم أكثر من الهم على القلب.. وهكذا صار يضحكني كل من تسول له نفسه إضحاك الآخرين. وأصبحت هذه الفصيلة المنتشرة من الضاحكين على أنفسهم تبطحني ضحكا، وأبدي لهم إعجابي بقدرتهم على إضحاكي.. ولكن آه لو كانوا يعلمون.

حكيم مرزوقي

كاتب تونسي

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه