"فيكس" علاج روحاني
دواء مفيد للكبار في كل الحالات ومفضّل لأعراض متباينة، ووضعيته الخاصة في صيدلية البيت العراقي هي نفسها في صيدليات البيوت العربية.
مرهم حلاّل مشاكل
في بيوت العراقيين هناك خزانة حائط صغيرة بيضاء بحجم متوسط تعلّق في مكان مرتفع وتسمى "صيدلية". الهدف هو جمع الأدوية المهمة ووضعها في هذه الخزانة الحائطية مع شاش وقطن ومطهر، مع مراعاة أن تكون بعيدة عن متناول الأطفال. الدواء أيام زمان لا يعرف تاريخ انتهاء الصلاحية. الأسبرين في تلك الصيدلية يعيش إلى الأبد طالما لم يُستخدم. الأدوية تُعامل باحترام لأنها أشياء مهمة تُحْدث الفرق في مجتمعات بسيطة.
وسط هذه الخزانة هناك زجاجة قصيرة زرقاء بغطاء أخضر. هذا دواء ضروري لا يمكن الاستغناء عنه ولا يمكن أن يخلو منه البيت. إنه سلاح الأم الأول في مواجهة الكثير من الأعراض والمشاكل لدى الصغار عندما يمرضون بسبب تقلبات الطقس أو تناول مأكولات غير نظيفة أو ارتفاع درجة الحرارة. هو مفيد للكبار في كل الحالات والدواء المفضل لأعراض متباينة. إنه "فيكس". أظن أن وضعيته الخاصة في صيدلية البيت العراقي هي نفسها في صيدليات البيوت العربية.
تفتح فيكس فتجد مرهما برائحة نفّاذة من المينثول. هذا المرهم يمكن أن يستخدم في أي مكان في الجسم؛ على الجبهة أو الرقبة أو يوضع داخل الأنف أو يستخدم في شكل مسحة على البطن أو يوضع في صحن ماء ساخن ليتم استنشاق بخاره بعد تغطية الرأس بمنشفة. إنه مرهم حلّال مشاكل وأعتقد أن معظمنا استخدمه ولا يزال يستخدمه إلى حدّ الآن.
نسيت فيكس منذ فترة طويلة. تشعّبت الأدوية التي علينا أخذها أو تخزينها، لكن في مكان ما من صيدلية المنزل لا بد أن هناك فيكس. غير أني قبل أيام التقيت بصديق فلبيني يعمل رئيس ممرضين في مستشفى كبير في لندن. كنا نتحدث عن الأدوية وتطورها وكيف أن هناك مثلا مئات الأنواع من المضادات الحيوية لمختلف أنواع الالتهابات وكيف أن بعضها حبوب والبعض الآخر حُقن يتم حقنها في الوريد، بعضها بسعر التراب وتنتج بكميات مهولة، بينما بعضها الآخر بسعر الذهب لأنه متطور ومصنّع خصيصا لبكتيريا شرسة يمكن أن تفتك بالجسم.
صديقي خبير حقيقي في مجال الأدوية لأنه اشتغل في كل وحدات التمريض، بما فيها وحدات العناية المركزة وتلك التي تمارس عملها وهي في سيارة إسعاف تتأرجح أو طائرة تحلق. يعرف الكثير وإذا حدثته عن أي مرض أو حالة، يرد بثقة مع التذكير بأن خبرته هذه مكتسبة بالممارسة والدراسة، ولكن يبقى الرأي الحاسم للطبيب.
قال لي: "كل هذه الأدوية شيء، والفيكس شيء آخر". ضحكت وسألته: "هل تعرفون الفيكس؟" رد: "هل تعتقد أني أستطيع الحركة من دون الفيكس؟ هو موجود معي في حقيبتي حيثما أذهب. أتعب، أستنشق فيكس. أريد أن أنام، أدهن وجهي بفيكس. أُصاب برشح، أضع فيكس في أنفي. أحس بالحرارة أو بتأثير يوم عمل مرهق، إنه فيكس للنجدة. أحن إلى أمي في الفلبين، أشم فيكس وأتذكر كيف كانت تدهن صدري به وتدثرني لكي يغادرني الرشح".
ذكرتني إجابته بـ"مركزية" فيكس في صيدلية البيت العراقي. بالفعل هكذا كان يعامل هذا المرهم. ورغم تعقيدات الدواء اليوم، فإن كثيرين لا يزالون يستخدمونه ويرون فيه دواء لكل شيء.
كان صديقي يتحدث ويغمض عينيه بين حين وآخر ويستنشق هواء ليس فيه فيكس بالطبع، لكنه يتخيّله. فيكس معالج روحاني أيضا.
د. هيثم الزبيدي
كاتب من العراق مقيم في لندن