"سنين" نصرت الواهنة لسعدون جابر
لماذا يسمح سعدون جابر بأن يطغى صوت نصرت البدر الجاف والعاجز عن التمييز بين الصراخ الغجري والغناء، على صوته الذي ذاب رقه منذ "دمعة وكحل" حتى "خلصت صدق".
الولع بأغانيه يمتد حتى صحراء المغرب العربي
لا أشك بإخلاص الفنان سعدون جابر للقيمة التعبيرية في الغناء كهدف في ذلك الخيار الفني، لكن عصي على الفهم أن يُقدم وهو في عقده السبعيني على تنازل فني ويمنح “ملحنا” جاهلا حق التعامل مع صوته، ولسبب لا يمكن إلا أن يقود محبي صوت وغناء سعدون إلى نتيجة مفادها الأنانية الضيقة.
لكن هل يحتاج إليها وهو في هذا العمر وبعد كل تلك العقود التي أرخ فيها لأحلام العاشقين، ليس في العراق وحده، بل إن الولع بأغانيه يمتد حتى صحراء المغرب العربي.
اختار الفنان سعدون جابر أن يشارك “الملحن” نصرت البدر في أداء أغنية “أحلى سنين” التي كتبها ضياء الميالي، في محاولة ولدت ميتة لاستعادة إرث سعدون الغنائي بنوع من الحنين. ويكمن الفشل في توظيف كاتب الأغنية مفردات ضائعة شعريّا من أغاني سعدون بطريقة سطحية. لكن الأهم من ذلك هو سماح سعدون لنصرت بالغناء معه، مع معرفته المسبقة بجهله لعلوم الغناء، فضلا عن كونه مشاركا فاعلا في عملية اختطاف الأغنية العراقية وتحويلها إلى نحيب ومراثٍ وصراخ مبتذل.
لماذا يسمح سعدون جابر بأن يطغى صوت نصرت البدر الجاف والعاجز عن التمييز بين الصراخ الغجري والغناء، على صوته الذي ذاب رقه منذ “دمعة وكحل” حتى “خلصت صدق” وجسد لأوجاع العراق برمته في قصيدة السياب “سفر أيوب”؟
يمكن أن نتفهم أن مجازفة سعدون بأداء هذا اللحن هي لتجريب التعامل مع أجيال جديدة في الغناء العراقي، لكن هل كان الخيار ينم عن حصافة موسيقية؟
“أحلى سنين” هي محاولة فاشلة لتقليد تجربتين ناجحتين أقدم عليهما الفنان ياس خضر عبر توظيف أسماء أغانيه في استذكار معبر، فنجح أيما نجاح في قصيدة ماجد عودة “يا حمد” واللحن البارع لماجد الحميد الذي استوحى فيه ألذ ما في غناء ياس خضر، مع أنه من جيل لحني متأخر عنه أربعة عقود. بينما توّج الموسيقار سرور ماجد الغناء العراقي بقصيدة حاتم النعماني “شكرا يا عمر” لتعيد الأمل للأغنية العراقية.
الأغنيتان استوحيتا تاريخاً غنائياً في تجربة ياس، بينما فشل الميالي في فهم ماذا يعني سعدون جابر للذائقة العراقية، ولم يستطع نصرت البدر استيعاب ألحان كوكب حمزة ومحمد جواد أموري ومحسن فرحان وطارق الشبلي وجعفر الخفاف وكاظم فندي، وهو يحصل على فرصة ثمينة في التعامل مع صوت سعدون؛ لسبب يعزى ببساطة متناهية إلى جهله فهم تأثير الأغنية العراقية في الذائقة السمعية، وضحالة وعيه تحول دون قدرته على دراسة الألحان العراقية من الموسيقار صالح الكويتي وناظم نعيم حتى عميد الغناء العراقي عباس جميل.
فسر لي أحد الملحنين العراقيين الذين سبق وأن تعامل في مجموعة ألحان مع صوت سعدون جابر، أغنية “أحلى سنين” بتعاون مصالح، بيد أن سعدون سمح لصوته بأن يكون مرددا وأقرب إلى “التابع” بينما فصل نصرت البدر الأغنية على مقاس ضجيج صوته الغجري النائح! فكيف قَبل سعدون لصوته أن يكون ضعيفا كسيرا غريقا ويجعل من نصرت وكأنه المنقذ…!
في النهاية لا يمكن -وفق الملحن العراقي- الحكم على أغنية “أحلى سنين” بمنظور فني وتحليل اللحن تأسيسا على المدونة الموسيقية العراقية، أو على الأقل وفق البهاء اللحني والأدائي الذي تركه سعدون جابر في الذائقة السمعية.
إذا كانت أغنية المصلحة الأنانية هذه قد جمعت أكثر من مليوني مشاهدة على يوتيوب، فإن سعدون جابر حسبه ألف مشاهدة نوعية لترنيمة الملحن كاظم فندي لقصيدة الشاعر الراحل كاظم إسماعيل الكاطع “مد وجز”، فالألف هنا بمليون يا أبا الطيب الكبير في ذائقتنا!
كرم نعمة
كاتب عراقي مقيم في لندن