أعظم الخالدين
رباح آل جعفر
من لاميَّة كعب في “بانت سعاد” حتى قصيدة أحمد شوقي “ولد الهدى”. ومن “تذكّر جيرانٍ بذي سلم” ذلك الوادي في طريق البصرة إلى الحجاز إلى “سلو قلبي”. ومن بديعيات ابن حجة الحموي حتى قصيدة محمد التهامي. تهتز القلوب بالأذكار، وتتعطر المجالس بالأشعار في مقام النبي صلى الله عليه وسلم كلما أطلَّ يوم مولده العظيم. نتنسَّم من ذكراه عطراً بريّا القرنفل.
وكان الأعشى من كبار شعراء الجاهلية أول من مدح النبي في قصيدته الدالية التي يقول في أبياتها مخاطباً ناقته:
متى ما تُنِيخِي عندَ بابِ ابن هاشمٍ
تُريحـي وتَلقـي من فواضِلِـهِ نـدى
لكن الأعشى لم يكن صادقاً لا في عواطفه، ولا في مدائحه. إنما أراد التكسَّب بالشعر والتقرّب من النبي. فلمَّا وجدته قريش في طريقه إلى لقاء النبي صلى الله عليه وسلم صرفته بمائة من الإبل فانصرف دونما رجعة.
ثم جاء من بعده كعب بن زهير بثمانية وخمسين بيتاً في لاميَّته الشهيرة:
بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ
متـيَّـمٌ إثـرهـا لم يُـفـدَ مكبـولُ
الغريب أن هذه القصيدة التي أولع بشرحها الأدباء، وعارضها الشعراء، وعشقها المريدون، وتوارثها المدَّاحون تبركاً بمن أنشدت بين يديه، لم يقلها كعب إلا لينجو من الموت بعد هجائه للمسلمين، وفيها يقول:
أنبئتُ أن رسولَ الله أوعـدنـي
والوعدُ عند رسول الله مأمولُ
لا تأخذنّـي بأقوال الوشاة ولم
أذنبْ وإنْ كثرتْ فيَّ الأقاويــلُ
أمَّا أشهر من عارضها من الشعراء فهو البوصيري في قصيدته:
إلى متـى أنتَ باللذات مشـغولُ
وأنتَ عن كل ما قدَّمتَ مسؤولُ
وعارضها ابن نباتة صاحب القصائد الخمس في المدائح النبوية:
ما الطرفُ بعدكم بالنوم مكحولُ
هذا وكم بيننا من ربـعـكـم ميـلُ
وعارضها أبو حيان الأندلسي:
لا تعذلاه فما ذو الحب معذولُ
العقل مختَـبَلٌ والقلبُ متبــولُ
أمَّا الشاعر الثالث في تاريخ القصيدة النبوية فهو حسان بن ثابت. يكاد يتفق أغلب نقاد الأدب العربي أن من أجمل الأبيات التي قيلت في وصف النبي كان هذا البيت لحسان:
وأَحسنُ منكَ لم ترَ قطُّ عيني
وَأجْمَـلُ مِنْـكَ لَمْ تَـلدِ النّسَاءُ
وبعيداً عن الشعر. ففي الأدب العالمي تقرأ لمحات ودراسات عن حياة النبي من الشاعر الألماني يوهان غوته إلى الأديب الروسي تولستوي إلى مايكل هارت في كتابه “الخالدون المائة” أو “العظماء مائة أعظمهم محمد” وهارت أستاذ جامعي أميركي اختار نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم ليكون على رأس قائمة هؤلاء العظماء الخالدين في عصره وجميع العصور.
ومحمد عظيم في كل ميزان كما يقول العقاد لأنه على خلق عظيم.. وكيف لا يكون على خلق عظيم وكان خلقه القرآن؟ فمن أحبَّ محمداً فليتخلَّقْ بأخلاقه.
وعسى أن نجد في ذكرى مَولدهِ رجاءً لنا ودعاء.