أزمة العلاقات لا تبني الدولة

بقلم جاسم مراد تشرين1/أكتوير 16, 2022 140

أزمة العلاقات لا تبني الدولة

 

 جاسم مراد

 

ثمة أفكار تطرح مفادها ، بأن الوطنية العراقية اضعف من الانتماءات المذهبية والعرقية ، ولكن عند قراءة فلسفة المجتمع بكل مكوناته عند الاحداث الكبرى يجد بأن الحالة الوطنية تتجسد في الاصطفاف الشعبي في مواجهة تلك الاحداث ، ففي بداية العشرينات من القرن الماضي ، كانت ثورة العشرين تعبيرا وطنياً في مواجهة الاستعمار البريطاني ، وهذه الانتفاضة التي قادها واشترك فيها وضحى من اجل أهدافها الوطنية ، كل فصائل المجتمع من الجنوب والوسط والغرب والشمال ورجال دين ومثقفين وعمال وفلاحين .

لقد كان العراق عبر التاريخ مستهدفاً من دول مجاورة وأخرى عبر البحار ، وتشتغل جميعها على  البنية الاجتماعية عبر اثارة العوامل الطائفية والقومية والعرقية ، ولعل الصراع بين العثمانية والصفوية على ارض العراق كان ابرز ملامح تهييج هذا الجانب في مكونات المجتمع ، وبالرغم من الخسائر الفادحة التي اصابت الشعب ، إلا إن طرفي الصراع لم يتمكنا من كسر المشتركات الوطنية ، وظل التواصل بين اركان المجتمع مستمراً حتى اندحر الغزاة بعوامل داخلية وخارجية .

موقف شعبي

وفي مراحل التحرر الوطني في العصر الحديث ، كانت أدوات النضال لم تفترق إذ كان ذلك في الوسط والجنوب العراقي أو في غرب وشمال العراق ، ولعل الموقف الشعبي الرافض ضمنيا لكل العمليات المسلحة التي قادتها الأنظمة المختلفة ضد الشعب الكردي خير تعبير على مشتركات العمل الوطني الشعبي ، ولعل وصايا المرجعية الدينية بقيادة اية الله المرجع الديني محسن الحكيم بتحريم قتال الاخوة الكرد توكيداً على الرغبة الشعبية  .

وفي المرحلة الراهنة عمل الغزو الأمريكي ، على تفكيك الوحدة الوطنية عبر مختلف الاليات السياسية وكان ابرزها الممانعة في تشكيل حكومة تستثمر القيادات الوطنية الفاعلة من مختلف مكونات المجتمع ،إلا إن الإصرار على تشكيل مجلس الحكم الذي بني على قواعد المحاصصة الطائفية واحداً من ابرز الاستهداف للوطنية العراقية ومشتركاتها الاجتماعية .

إن القوى السياسية وبعض الشخصيات التي قبلت وعملت على وفق هذا المنهج ، هي ذاتها التي ظلت تمارس لعبة الاختراق المذهبي والعرقي بهدف الاستمرار بالسلطة دون شريك وطني ينافسها في الحكم ويعالج مسببات سياسة الاحتلال.

لقد عانا العراق اشكال مختلفة من العمليات السياسية والمسلحة التي قادها الإرهاب بدعم خارجي وحواضن داخلية بغية  ضرب المشتركات الوطنية ، إلا إن وحدة هدف العمل الوطني الشعبي الذي توج بوصايا المرجعية الدينية بقيادة اية الله على السيستاني في الجهاد الكفائي واشترك في هذه الملاحم القتالية الشعب الكردي وجماهير الجنوب والوسط والمحافظات الغربية وتكريت والموصل وديالى تحت راية الوطنية العراقية ووحدة البلاد وتأخي مكوناته الاجتماعية .

لقد عبرت الانتفاضات الشعبية وابرزها انتفاضة تشرين وما سبقها على خير دليل لرفض المواصفات الطائفية والمذهبية للحكم ، وجسدت عبر التضحيات الجسام بأن الشعب لن يقبل مخلفات الغزو في توزيع النظام على أساس طائفي ، وان الحل الحقيقي لأزمات العراق هو في نظام وطني جامع يتولى ادارته وقيادته شخصيات وطنية من كل المكونات ، شخصيات مؤمنة بالوحدة الوطنية وتوظيف موارد العراق لمصلحة الشعب والبناء .

إن الاختلالات التي يعيشها الوطن ، وفقدان الثقة بين الحاكمين ، هو نتيجة طبيعية لتوزيع الحكم على الحصص المذهبية وتعبير اكيد للفكر والممارسات المصلحية الذاتية للقوى المشتركة بالحكم .

إن الازمة القائمة بين اطراف الحكم ستبقى تتفاعل حتى لو جرى الاتفاق على صيغة معينة ، لكون اساسيات الاختلاف وقواعد التضاد  مبنية على الحصص والجماعات والطوائف ، يضاف الى ذلك غياب الثقة بين شركاء السلطة حتى في كيفية الحد من مكاتب وجماعات النهب للمال العام وتعطيل الاستثمار والمشاريع الاقتصادية .

ليس بمقدور سلطة ومجلس نواب أن تعطل الموازنة السنوية ، وهي الادرى بضرورتها لتحريك السوق وإنجاز المشاريع المتوقفة ، بالتأكيد ليس بمقدورها ذلك لولا الهيكلية السياسية القائمة خارج صيرورة العمل الوطني المشترك .

إذن يخطأ من يظن بأن الشعب العراقي موزع طائفياً ويرغب في استمرارية النظام الطائفي ،صحيح انه متعدد المكونات وهذا قوة لمن يريد التطور والبناء ،  ولكن طبيعة ومنهجية القوى السياسية التي تتسيد على النظام هي التي تريد مثل هذا النظام وتضخ الأفكار التفريقية مع كل عملية انتخابية ، لو كان الامر كذلك لما امتنع اكثر من ( 60 بالمئة) المشاركة في الانتخابات ولم يضحي الشعب بهذا العدد الهائل من الشباب .

قيم الموضوع
(0 أصوات)

صحيفه الحدث

Facebook TwitterGoogle BookmarksLinkedin
Pin It
Designed and Powered By ENANA.COM

© 2018 جميع الحقوق محفوظه لوكاله الحدث الاخباريه